«رهام» و«أبرار» .. واقع الرعاية الصحية الأولية
تابع وتفاعل المجتمع بمختلف شرائحه مع موضوع الخطأ الطبي الجسيم في مختبر مستشفى جازان العام للطفلة رهام نتيجة نقل دم ملوث بفيروس الإيدز من متبرع للدم لا يعلم عن إصابته بهذا المرض، وما صاحب هذا الحدث من تداعيات وتفاعل اجتماعي في المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي وكذلك في المجالس الخاصة، مع ملاحظة ارتفاع سقف وأفق المطالبة بالخدمات الطبية المناسبة والمتناغمة مع توجه وتوجيه القيادة والدولة في هذا الوطن، كما تابعنا أيضا الآلية العملية والمهنية والإعلامية لتناول هذه القضية ومعالجتها من قبل وزارة الصحة، عادت المخاوف المشوبة بالغموض للعيان مرة أخرى في حادثة جسدت خطأ طبيا جديدا في مستشفى القنفذة العام تمثل في منح زوج المواطنة أبرار شهادة لياقة طبية سليمة لفحص الزواج بينما واقع حال الزوج يشهد بإصابته بمرض الإيدز.
الطرح والرؤية العلمية والمهنية والاستراتيجية في هذه العجالة ستبتعد عن الحديث في تفاصيل وتداعيات معاناة هاتين الحادثتين للمواطنتين، حيث نرغب من خلال المساهمة والمشاركة في تسليط الضوء على حجر العثرة في جذور وعرف الخطط الاستراتيجية الصحية المحلية المتمثل في توافر وتهيئة وخدمة المتابعة والتاريخ المرضي والتشخيص للمواطن في مركز الرعاية الصحية الأولية قبل القفز في طرح وتنظير الحلول البعيدة عن المعالجة والتناول الشامل فيما يعرف مجازا بـ ''الحلول المؤقتة'', أو كما يحلو للبعض أن يسميه ''الحل بطريقة تطفئة الحريق نفسه'' تبعا لنوعيه وحجم وتداعيات وتوقيت الخلل والقصور نفسه.
عودة إلى المحور الأساس في هذه القراءة هو مراكز الرعاية الصحية الأولية التي يثمن المختصون والباحثون دورها وتصنيفها خط الدفاع الأول أمام الأمراض، كذلك أهميتها في الحد من انتشار أو تفاقم أو علاج الأعراض المرضية بما نسبته 70 في المائة من إجمالي الحالات المرضية عند المراجعة والمتابعة الدورية المجتمعية والتدخل الوقائي والتوعوي من قبل برامجها مع سكان الحي التابع لجغرافية هذا المركز الصحي، مع الأخذ في الاعتبار التنظيم والتقنين لما يعرف بالإحالات المرضية من هذه المراكز للعلاج في المستشفيات الحكومية والمتخصصة، وحيث إن واقع حال مراكز الرعاية الصحية الأولية يشهد وينذر بمخاوف التأخر عن ركب الرؤية والرسالة والقيم المعلنة للنهضة والتطوير الصحي عند مقارنتها بالدعم المالي الكبير المتسارع لميزانية وزارة الصحة وفروعها في مختلف مناطق المملكه ''المديريات العامة للشؤون الصحية''، ويجسد ذلك من خلال التفاوت الملاحظ في توافر عناصر ومحاور ومعطيات بيئة البنية التحتية والخدماتية المتكاملة والمؤهلة لتوافر دعائم ''الحزام الصحي الخدماتي''، الذي طال انتظاره في الربط بعد الجاهزية بين المنظومات والهيئات والمرافق الصحية الحكومية والتخصصية، لن أتوسع في سرد أو رصد أو توثيق معطيات القصور والضعف في بعض هذه المراكزالصحية التي يغلب على طابعها العام التفاوت في توافر وتهيئة (عيادات لبعض التخصصات أو الأقسام الطبية والعلاجية، نقص أو عدم وجود بعض الأجهزة التشخيصية والمخبرية أو التعطل المتكرر لبعضها وصيانتها، الكادر الفني والصحي في أقسام الأشعة أو المختبر، عدم التناغم والتوافق عند مقارنة جودة وتكامل الخدمات بين المراكز ''النموذجية'' وباقي المراكز في المدينة نفسها، عدم جاهزية وملاءمة بعض مواقع ومباني المراكز الصحية لتقديم الخدمات الصحية، تكامل ومهنية الاستفادة العملية والتقنية من الربط الإلكتروني للمعلومات والبيانات الشخصية والتاريخ المرضي وخطوات التشخيص والعلاج المتوافرة بين جميع المراكز الصحية في المملكة، الدور المفترض لتطبيقات نظام المعلومات الجغرافية GIS في المسح الصحي الشامل للأمراض).
المخاوف الملاحظة والمبررة لطموح الفرد والمجتمع في الجودة والنوعية المثالية للخدمات الصحية عطفا على تداعيات هذه الأخطاء وتأثيرها من مبدأ الشراكة ''قبل'' المبادرة في تلخيص وتنفيذ أجندة الحلول لجذور ما تمت الإشارة إليه في هذا الطرح بهدف الحرص على عدم تكرار أو توافر الأخطاء المستقبلية - لا سمح الله - ''تنشد وتبحث عن الأخذ في الاعتبار مراجعة ومتابعة المعطيات للمنظومات الحكومية في مراحل ومواقع وتجهيزات تأسيس تقديم هذه الخدمات الطبية والتشخيصية في المراكز الصحية نفسها، فلا يمكن صرف الأنظار أو تجاهل ''أصل'' المشكلة الذي كان وما زال يملك مفاتيح الحلول والتنظيم والتوجيه والتدخل المبكر للتشخيص والعلاج لكل مواطن عند معالجه ودعم كل الملاحظات والاحتياجات والنواقص في جميع هذه المراكز الصحية لتصبح جميعها ''نموذجية'' في جاهزيتها وخدماتها بدلا من القفز إلى متابعة ومساءلة المستشفيات والمرجعيات الإدارية والمهنية لحادثة أو خطأ ما والتفاعل تبعا لمطالبة المجتمع أو التخفيف من حدة تذمره وتعاطفه.
كما لا يفوتني أن أدعم نجاح هذا التصور بالمطالبة العاجلة بتطبيق ''التأمين الصحي للمواطنين ''بعد أن عصفت بتواريخ تدشينه رياح الانتظار والترقب غير الحذر بحجة عدم جاهزية المستشفيات الحكوميه للبدء في التطبيق . وهذه التصريحات الموثقة التي تناقلتها الصحف في حينها تحتاج إلى ''وقفة''، وذلك لكونها قد تتزامن أو تشرح بعض تفاصيل هذه الأخطاء الطبية في مجتمعنا المحلي، وتجعل كذلك من احتمالية البدء بتنفيذ خطط استراتيجية صحية متقدمة لبعض البرامج والمشاريع الخدماتية المتنوعة في مجال الصحة ''مغامرة'' لن يقبل المجتمع المعالجة لكوارثها من خلال ''أنصاف أو أرباع'' الحلول.