حبوب السعادة !
لا أعرف ممارسة إنسانية أجمل ولاأرقى من أن يتمكن شخص من الهروب من ألمه عبر استدعاء الفرح وغرسه في قلوب الآخرين من حوله !! هكذا مجاناً وبلا مقابل !!
تستوقفني هذه النوعية من البشر، أولئك الذين يبدون للوهلة الأولى من كوكب آخر لكنهم يعيشون ويتنفسون بيننا... يمارسون بمهارة طريقة تفكير وتصرف قابلة للتطوير والتأقلم مع البيئة المحيطة التي يعيشون فيها. وتلقائياً يستبدلون الأفكار السلبية بأخرى غيرها ليس تجاهلاً وإنما رغبةً في تفهم مايحيط بهم والعمل على استيعابه وإدراك الحكمة من ورائه بظن متيقن أن ما أصاب لم يكن ليخطيء وما أخطأ لم يكن ليصيب.
فكلٌ منا يبني أسواره حوله ويعيش داخلها حياةً من نوع ما يريد، يخبر نفسه أنه قادر أو عاجز ! يستطيع أو يستحيل ! يقيد نفسه أم يحلّق كالنوارس حراً أبياً.. .. ومنا من يتحكم بظروفه وأحواله اليومية واثقاً بأن التدابير كلها بيّد الله، فأمام تجليّات النفس البشرية وقدرتها على تحقيق المستحيلات نقف مذهولين عاجزين .. فمثلاً لولا القدرة على النسيان ماتحملنا ولا استمرت الحياة ولا كان هناك أملٌ في غد... ولولا بصيرة الروح عند البعض ما ولد ما نطلق عليه الفراسة التي يجلوها نور اليقين والإيمان ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله".
فأنت نفسك لست أنت منذ خمس سنوات!! وقد لاتتحكم بالكامل بظروفك، إلا أنه بالوسع التحكم بالأفعال والاستجابات لتقودك إلى السعادة. السعادة التي نعتبرها سلوكاً إنسانياً أكثر من كونها حالة ذهنية نصل إليها وينتهي الأمر. ففي عوالمنا الداخلية نريد أن تولد الإيجابية وتبقى فلا تموت، ونمارس التركيز على مانريده ونترك جاهدين ما لا نريد، ننشر الضوء في حياتنا ونصفق حتى للخافت منه لكي يتوالد ويزداد، هي عاداتُ فكرية نمارسها بوعي محاولين اعتناق البسمة والشعور والتفكير والتصرف بناءً عليها. الإيجابية ليست حبوب سعادة نبتلعها وتحدث المعجزات، وليست أن نسقط في فراغات المساحة بين فريق "يسعى إلى السعادة" كغاية، وبين فريق " يهرب من الألم" من أجل الخلاص فقط ! بل هي في حد ذاتها ممارسة تركز على الانجاز والمنح ومفهوم الوفرة والامكانية للجميع ، وأن الخالق يهبنا ترف تحقيق الأمنيات، ويمنع عنا مانتمناه لخير يؤخره في حنايا الزمان أو لعطاء جزيل يدخره مستقبلاً لنا.
ما أريد قوله أن هناك إيجابية وسماحة في بعض البشر تسرقك من هدأتك وتنتشلك من وديان الخرس، فتصحو من غفوة وتغفو في صحوة، ويظل قلبك يهفو لبهجة مستدامة قد تجدها في اهتمام أحدهم وحنوه عليك وفي تراكم الامتنان إلى أن يفيض، وفي صناعة الانصات بأدبياته الجميلة وفي تعلم حرفة السؤال، وفي أن تنشر الابتسامة تلقائياً وكأنها ملعقة عسل في ماء فاتر تتوغل في جزيئياته فيضج عالم بأكمله من حلاوة السكر. وتخيلوا معي بعدها الصورة.. عسل وحبوب سعادة وسكر! تلكم هي الإيجابية في مفهومها الجديد في حياتي ولا أريدها أن تكون مؤقتة بل ممارسات مستدامة إلى أن يشاء رب العالمين.
حفظ الله الايجابيين ومنحنا بكرمه بعضاً من الألق .
* من وحي حوارات باذخة مع الدكتورة فاتنة أمين شاكر.