«هداج».. بئر أسطورية ومعلم سياحي أثري نابض في شمال المملكة

«هداج».. بئر أسطورية ومعلم سياحي أثري نابض في شمال المملكة

بئر هداج من أشهر الآبار في الجزيرة العربية منذ القدم، وتقع في شمال غرب المملكة، وتحديدا في محافظة تيماء في منطقة تبوك، وفوهة البئر واسعة يبلغ قطرها 50 قدماً وعمقها 40 قدماً، ذات شكل دائري غير منتظم، مطوية بالحجارة. وتحتل حيزا يتوسط البلدة القديمة داخل إطار من أشجار النخيل الباسقة، والمرائي الجميلة. وهي درة أثرية شهيرة، ورمز تراثي تليد. تبعث '' هداج'' عند رؤيتها في النفس مشاعر ارتياح وانشراح، فعند مشاهدة ''هداج'' للوهلة الأولى تشعر وأنها رجل كريم يستقبلك بابتسامة وحميمية، ولا غرو، فقد ظلت هذه البئر لقرون طويلة مضرب الكرم، حتى أصبح يشار للرجل السخي والمعطاء بلقب ''هداج''. وفيما يشير بعض الباحثين إلى أن ''هداج'' استمدن تسميتها اشتقاقاً من الهدج وهو مقارنة الخطو في السير والإسراع، في إشارة إلى سرعة جريان الماء وتدفقه من البئر، يرى الدكتور عبد الرحمن الأنصاري - الباحث المعروف - أن هناك ارتباطا بين لفظ هدج وبين اسم (أدد) ''إله'' الماء لدى الساميين.وأيا كان مصدر التسمية، فنحن إزاء بئر أسطورية فتاريخها العتيق، وعطاؤها النادر عبر العصور، وفرادتها ضخامة وشكلا، تنقلك إلى عالم الفانتازيا المجنحة، ويؤكد كثير من المصادر عراقة هذه البئر، على اعتبار أنها أكبر الآبار في العالم القديم، ويعود تاريخ بنائها وحفرها إلى القرن السادس قبل الميلاد، وترجح المصادر التاريخية أن ''هداج'' حفرت وشيدت جدرانها في أثناء الوجود البابلي في تيماء.
تبوأت هذه البئر الضخمة أهميتها من الدور الذي اضطلعت به في حياة الأقدمين والمعاصرين على حد سواء، إذ تتميز بعذوبة المياه ووفرتها، وهي العوامل التي ساعدت مع خصوبة التربة على نشوء حركة زراعية نشطة في تيماء إلى وقتنا الحاضر. وفي عام 1373هـ زار الملك سعود بن عبد العزيز تيماء ضمن زيارته لمنطقة تبوك، فأمر بتركيب أربع مضخات على جهات البئر الأربع، وذلك كي يتسنى للمزارعين سحب المياه من جوف البئر لاستخدامها في أغراضهم المختلفة، فكانت هذه الخطوة نقطة تحول كبيرة في تاريخ البئر، ودعماً لاستمراريتها. ومع تنامي استخدام الوسائل الحديثة في ضخ المياه من ''هداج'' لم يعد الأهالي بحاجة لاستخراج المياه من البئر بالوسائل التقليدية.
ومع تقادم الزمن تأثرت العناصر المعمارية للبئر، وأخذت بعض أجزائها الداخلية في الانهيار، فقام أمير منطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان بإعادة ترميم البئر، وهي الخطوة التي ضخت الحياة فيها وأعادتها للواجهة كأحد المعالم التاريخية والسياحية والمعمارية التراثية البارزة.
ولأنها معلم فريد، فقد حفلت الأدبيات القديمة بها شعرا ونثرا، وحتى الشعر الشعبي حفل بها، ومن ذلك الشاعر محمد الأحمد السديري الذي يقول في إحدى قصائده:

الله من هم بروحي سهجها
بخافي ضميري في كنين الحشا لاج
أحرمن نار تواقد وهجها
منها خطر روحي على سلك ديباج
وعين عسى المولى يعجل فرجها
يفوح ناظرها كما عين هداج

الأكثر قراءة