استخدام «بدائل الذاكرة» والإصابة بالنسيان
عندما يتقدم الزمن بالإنسان يشعر وكأن كل شيء من حوله قد تقدم معه حتى سماته الشخصية لا بد وأن تتبدل أو تكتسب شيئا من التغيير وفق عوامل ''التعرية الزمنية''، حيث عملت التقنية الحديثة دورا حاسما في تغيير الأجيال وتمايزها عن غيرها في كثير من العناصر، سواء باتجاه المنحنى الإيجابي أو السلبي، فالتفكير والوعي والمزاجية كلها من الأمور التي تؤثر في الفرد بصورة كبيرة وهي في المقابل تتغير وتتحول دون توقف مع منعطفات الوقت والخبرات التي يمر بهما الفرد.
ولعل الذاكرة الإنسانية جزء لا يتجزأ من العمليات العقلية التي تخص المراكز العليا والمعقدة في الدماغ، وبعد أن كان الفرد يعتمد اعتمادا ذاتيا على عقله في تذكر الأحداث وحفظ النصوص والقصص التاريخية في الزمن القديم ويتباهى بذاكرته في المجالس والملتقيات تطور الفرد ليعتمد على الورقة والقلم في تدوين ما يرغب حفظه في الذاكرة وما يرغب تذكره في المستقبل، وما يرغب سرده أو إلقاءه حتى المكاتب والمنازل أصبحت مليئة بالمفكرات الورقية الصغيرة لتدوين كل ما يلزم عمله غدا أو مستقبلا، بل حتى وصلنا لتدوين أبسط الأغراض التي نريد شراءها وإن لم تتجاوز بندين فقط وتعاقب الجيل فأصبحت المفكرة رمزا قديما لدى الكثيرين فاستبدلت المفكرة الورقية بالمذكرة الإلكترونية التي تحقق الغرض نفسه، بل ربما أكثر فبعضها مبرمجة كي تقرأ عليك شفويا ما كتبت، ولا بد أن تتذكر، لكن في المقابل ما هو الثمن الحقيقي من استخدام بدائل الذاكرة البشرية، أعتقد أن الثمن باهظ جدا ونراه يتمثل في انتشار عملية النسيان حتى لأكثر الأمور أهمية أحيانا، حيث أصبحت الذاكرة في حالة خمول وقام الفرد من خلال استخدامه للذاكرة البديلة بتعطيل النشاط الفعلي والفطري للذاكرة البشرية، التي أصبحت في حالة من تثبيط الطاقة الحقيقية، ونلاحظ ذلك في النسيان المتكرر عندما يعتمد الفرد على ذاكرته كحالة استثنائية له أحيانا لتذكر حدث، ولكنه لا يتقن ذلك هنا ربما سيدخل فيما يسمى بـ ''شيخوخة الذاكرة''، بل إن هذا ما يبرر قدرة بعض الأفراد على تذكر الأحداث بدقة دون غيرهم على ألا يعود قصور الذاكرة إلى إعاقة مرضية عضوية إطلاقا، وهذا يعني أننا بحاجة إلى وضع الذاكرة باستمرار أي طوال حياتنا في حالة اختبار من خلال الاعتماد عليها وحدها فقط في تذكر الأحداث أو على الأقل ليكن جزءا من تلك الأحداث، والواقع أننا لو نظرنا لفئة كبار السن على سبيل المثال وليس الحصر سنجد أن هناك منهم من يتقنون استخدام الهاتف النقال مثلا! بينما بعضهم لا يستطيع ذلك مهما حاولت تعليمه ويعود ذلك في كثير من الحالات إلى التعطيل المسبق للذاكرة بشكل ربما لا يعي الفرد مخاطره.