«مشربيات مكة» تناسب الثوابت الدينية وتواكب الحداثة
ظهرت "المشربيات" في بيوت مكة المكرمة منذ ثلاثة عقود، وظلت المشربية أحد المعالم البارزة في مكة منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وإن اختلفت أشكالها وتصميماتها وألوانها.
وعرفت المشربية في التراث المعماري الإسلامي، وتطورت عبر التاريخ منذ نشأتها، فأخذت أشكالاً كثيرة، واستمر البناؤون المهرة في إيجاد أشكال ورسوم جديدة وباستمرار التطور ظهرت أشكال أخرى.
وعن طريق البنائين من الحجاج والمعتمرين لمكة عرفت العاصمة المقدسة الشباك ذا النوافذ الخشبية "المشربية:، وظلت تحاكي منازل العواصم العربية ذات الطراز المعماري والهندسي الفريد في ذلك الوقت.
وتتألف المشربية من مجموعة قضبان خشبية صممت على شكل هندسي معين، وهي مثبتة على جدران المنازل على القضبان الخشبية الأخرى المصفوفة بترتيب هندسي، ويتم تثبيتهما على إطار خشبي بأبعاد فتحة النافذة التي سيركب عليها.
وتطل على فضاء الحارة، وتمكّن من في البيت من رؤية الطريق وحركة الناس فيها دون أن يراه الآخرون، فتؤمن بذلك الخصوصية التي تطمح لها الأسرة العربية الإسلامية.
ومع تطور الزمن غابت "المشربية" عن المشهد المعماري في مكة؛ وذلك بسبب فقدان الحاجة الوظيفية لها وإلى اختلاف تركيبة النسيج الاجتماعي، بالتزامن مع تطور الهندسة المعمارية في العالم، وظهور نوع من النوافذ على شكل الزجاج الملون، فأصبحت العاصمة المقدسة خلال السنوات الأخيرة تشهد تطورا عمرانيا، فتتزين وتكتسي فنادقها وأبراجها الشاهقة الارتفاع بزجاج في منظر يعكس مدى التطور الذي تعيشه مكة المكرمة في البناء الهندسي وتحاكي الفن المعماري في أوروبا. وتتفق المشربية مع النوافذ الزجاجية في الأبنية الزجاجية، حيث تسمح بالرؤية من الداخل إلى الخارج، مع عدم إمكانية الرؤية من الخارج إلى الداخل، وهو ما يتسق مع ثقافة المجتمع الإسلامي العربي وتأدية لدوره الاجتماعي.
ويلاحظ تطبيق هذه الفكرة في الكثير من الأبراج، التي أصبحت تحمل ملامح من الجمال؛ نظرا لما تتميز به من نظافة وبريق يكاد يعكس أشعة الشمس التي تشرق على واجهاته فتضفي على المباني الضخمة الشاهقة كثيرا من الإشراق وكثيرا من الفوائد المهمة، حيث يمكن للزجاج أن يسمح بالاستفادة من مزايا الطبيعة فهو يساعد في حجب الأشعة الضارة ولكنه في الوقت نفسه يسمح بالاستفادة من دخول الضوء المنبعث من أشعة الشمس.
ويحمل هذا النظام مزايا عديدة في مجال المرونة في وضع اللمسات الجمالية والحضارية، التي تضفي كثيرا من السحر على المبنى في تناغم جمالي وبصري، ويعطي تناغماً جمالياً مهماً للأبراج المقامة في المكان، ويجعلها تنطق بروح الفن والإبداع وتشكل لوحة فنية مكونة من مجموعة أيقونات غنية بالألوان التي تحاكي الطبيعة.