زلزال «بو شهر».. الواقع الخليجي والبعد الإقليمي
ماذا بعد أن أثارت تداعيات الزلزال الذي ضرب أخيرا منطقه شرق الخليج العربي وبالتحديد مدينة بوشهر الإيرانية التي يتواجد فيها ''المفاعل النووي'' مخاوف الدول والمجتمعات الخليجية بعد أن ألقت بظلالها على توافر بعض الهزات الارتدادية الخفيفة في محيط وجغرافية دول الخليج العربي في واقع ضعف إجراءات السلامة؟ وماذا بعد ''جرس الإنذار الأخير''، المتمثل في الاجتماع الطارئ لمسؤولي اللجان الوطنية للطوارئ أخيرا في مدينة الرياض؟ وماذا بعد تحذير المختصين والباحثين في علوم الأرض والطاقة والبيئة والسلامة المهنية والصحة البيئية من مخاوف المخاطر البيئية والصحية والاجتماعية والاقتصادية في هذا الخصوص؟ كيف سيتم تعويض الدمار الطبيعي الذي سيحدث في مياه الخليج العربي ــــ لا سمح الله ــــ بعد أن يصبح ''بحرا ميتا'' تتعذر الاستفادة منه في تحلية واستهلاك المياه وتراجع معدل ونوعية الثروة السمكية؟
تتناغم هذه المخاوف والمخاطر في الدول والمجتمعات الخليجية مع رؤية وملاحظات الخبراء والعلماء في توقع حدوث تسرب إشعاعي من هذا المفاعل من جراء الهزات الأرضية القوية وذلك عطفا على بعض المعطيات والمحاور القديمة والجديدة ذات العلاقة بطبيعة هذا المفاعل مثل (تعاقب الخبرات الدولية على بناء المفاعل، حيث بدأت ألمانيا في عام 1975 البناء ثم انسحبت لتكمل روسيا بعد ذلك التجهيز والتحديث واستكمال البنية التحتية، ضعف التجهيزات التقنية كما هو الحال مثلا في تعطل الحواسيب الآلية بسبب فيروس ''ستاكس نت''، تكرر احتمالية حدوث الزلازل تبعا للطبيعة الجيولوجية للموقع كما هو الحال في الزلزال الذي ضرب المنطقة في عام 2002، واقع التوقيت المتزامن لنوعية التسرب لبعض المواد وتفاعلاتها وخصوصا اليود المشع والسزيوم مع عوامل اتجاه الرياح وسرعتها والعواصف الغبارية وهطول الأمطار).
عند الحديث عن التخطيط الاستراتيجي لظواهر ''الكوارث الطبيعية'' و''الطوارئ البيئية'' الذي يفترض في واقعه العلمي والعملي الشراكة والتنسيق والجاهزية، فهو طرح وقراءة لتداعيات تلقي بظلالها على واقع التعامل والتناول للأحداث والمخاطر التي تهدد الممتلكات والصحة والسلامة العامة والتنوع البيولوجي في دول الخليج العربي بالتزامن مع تهيئة وتوافر الإمكانيات والكفاءات والموارد المطلوبة والمناسبة الذي يجسد عناصر ومعطيات تنظيمية وعلمية حيوية (تحديد المسؤوليات والهدف، الواقعية، المرونة، سهولة الاستخدام، القابلية للتطبيق، التنسيق، الخطط الفرعية المساندة، الخطط البديلة)، مع الأخذ في عين الاعتبار أن تكون الخطط الوطنية للطوارئ البيئية في سياق الضوابط والاشتراطات المتوافرة في الدليل الإرشادي لإعداد الخطة الوطنية للكوارث البيئية الذي تم إعداده من قبل ''وحدة الارتباط البيئي'' في برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP، بعد أن تم تطوير العديد من الخطط النوعية المتخصصة لمواجهة الطوارئ كما هو الحال مثلا في خطط الفيضانات والأعاصير والحوادث الصناعية والكيماوية، التي أصبحت بعد ذلك ومن خلال عملية النقل التدريجي للخطط الفرعية عناصر مساندة في الخطة العامة للطوارئ البيئية والكوارث.
التطلع والطموح الخليجي لصناعة القرار الاستراتيجي بهدف توافر معطيات وتطبيقات السلامة والأمن والرخاء والصحة للمواطنين والمقيمين بصفة عامة في المنطقة، مواكبة التسارع في الدمج والتنسيق بين خطط وأنظمة ''التنمية المستدامة'' و''الاستدامة البيئية'' في واقع البرامج والمشاريع التنموية والخدماتية، جميعها تنشد مراجعة وتفعيل بعض المعوقات والاحتياجات المهنية والعلمية بصفة شمولية ومتناسقة بهدف الوقوف وعلى بعد مسافة واحدة من الجميع عند جاهزية وفاعلية العمل التنظيمي المهني الموحد للخطة العامة الخليجية للطوارئ والكوارث البيئية.
وحتى يمكن في خليجنا العربي التنظيم والموافقة بين خطط الكوارث الطبيعية مع خطط الطوارئ البيئية في خطة عامة رئيسة موحدة ''الخطة العامة للكوارث''، وذلك من خلال هيكل تنظيمي يتمثل في هرمه ونزولا إلى الأسفل ببعض الخطط الفرعية والمساندة للخطة العامة يمكن تلخيصها في (خدمات البنية التحتية الأساسية للمجتمع، الملاجئ، التحكم الأمني، الإطفاء، الإخلاء، أولويات البحث والإنقاذ، احتياجات الصحة والسلامة، العوامل البيئية للكوارث، الخطة الوطنية للطوارئ البيئية، أنظمة الدعم الداخلي والخارجي، خدمات التنسيق للطوارئ الأمنية والإطفاء، الخدمات الصحية والإسعاف، مهام خفر السواحل والشرطة)، بعد أن ثبت مهنيا وعلميا عدم الجدوى العملية للخطط الأحادية للطوارئ.
كما أن عناصر ومحاور الوقاية السلامة والأمن في هذا الطرح لهذه المخاوف والمخاطر من جراء الزلازل لا تقتصر على الشعوب الخليجية وحدها فقط، بل هي في واقعها ومستقبلها داعم كذلك لسلامة المجتمع والشعب الإيراني والدول الإقليمية المجاورة.