اتفاقيات حقوق المرأة.. خذوا ما يروق لكم

في القانون الدولي، بإمكان أي دولة عندما توقع على أي اتفاقية أن تتحفظ على أي مادة أو أي بند، ولكن أن يطالب البعض الدولة بنسف هذه الاتفاقية بأكملها لأسباب اجتماعية أو أيديولوجية فهذه ظاهرة غير مسبوقة.
سأعطي بعض الأمثلة. رفضت السعودية ودول إسلامية أخرى فقرتين في "إعلان إنهاء التمييز وحماية المرأة من العنف"، وهي وثيقة استرشادية صادرة عن اللجنة الخاصة بأوضاع المرأة في الأمم المتحدة. الفقرتان من وجهة نظر هذه الدول تتعارضان مع الشريعة ومع القوانين المحلية.
المهم في الأمر أننا ملتزمون بهذه الوثيقة الدولية رغم تحفظنا على بندين فيها.
المثال الثاني اتفاقية "إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة - سيداو" التي وقعتها السعودية عام 2000 ميلادية مع تحفّظ عام على كل الاتفاقية وتحفظين خاصين ببندين من بنودها الثلاثين.
التحفّظ العام هو في حال تعارضت أي من بنود اتفاقية "سيداو" مع المتفق عليه في الشريعة الإسلامية فلن تلتزم السعودية بتنفيذ البند.
أما التحفظ الخاص فهو يتعلق بالفقرة الثانية من البند التاسع من الاتفاقيّة المتعلّقة بجنسية الأطفال، حيث لا تمنح قوانين السعودية الجنسية لأطفال المرأة المتزوجة من غير سعودي. والتحفظ الخاص الثاني هو على الفقرة الأولى من المادّة 29، التي تتعلق بإحالة الخلاف بين أي دولتين حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية إلى محكمة العدل الدولية.
هنا أيضاً، التزمت السعودية باتفاقية "سيداو" رغم التحفظات التي ذكرتها.
حتى اقتصادياً، تحفظت السعودية - وهذا حقها السيادي - على المادة 20 من اتفاقية "جات" والمادة 16 من اتفاقية "جاتس" الخاصة بتجارة الخدمات. حصلت السعودية على حقها المطلق في حظر استيراد 81 سلعة محرمة شرعاً. بالتالي، تضع هيئة الغذاء والدواء السعودية جميع الأغذية التي يدخل في إنتاجها لحم الخنزير أو دهنه في قائمة السلع الممنوع استيرادها.
لم ننسف اتفاقية التجارة العالمية برمتها، بل نحن ملتزمون بها رغم تحفظنا على المواد التي ذكرتها.
عودة إلى الاتفاقيات الدولية والمبادرات المحلية التي تتعلق بحقوق المرأة. رغم أن الاستشارات الأسرية في مجتمعنا غير مرحب بها، إلا أن حملة "ما خفي كان أعظم" ومبادرة "الشريط الأبيض" تعتبران حافزاً جيداً لحفظ حقوق النساء في السعودية. حادثتا "فتاة جدة" و"فتاة الهفوف"، والعنف الجسدي واللفظي والجنسي والنفسي المكرر وغير المبرر على المرأة، أكبر سبب لضرورة استمرار وتفعيل هذه المبادرات الإنسانية.
مطالبة بعض المتشددين بإلغاء المبادرات المحلية أو المعاهدات الدولية بسبب مسمياتها أو لعدم فهمهم لتفاصيلها أو اعتراضهم على بند فيها، وبالتالي إلصاقها بالمؤامرات "التغريبية"، يحتاج إلى وقفة منطقية وصارمة من الكُتاب والإعلاميين والشرعيين والمثقفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي