دروس لإفريقيا من شرق آسيا
استضافت اليابان الاجتماع الخامس لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية أخيراً. ويأتي هذا الاجتماع كتذكرة لنا بأنه في حين يتملك العالم نوعا من الهوس بشأن المتاعب الاقتصادية في أوروبا، والشلل السياسي في أمريكا، وتباطؤ النمو في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة، فهناك منطقة أخرى من العالم ـــ الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى في إفريقيا ـــ حيث يكاد يكون الفقر هو القاعدة وليس الاستثناء.
ففي الفترة من 1990 إلى 2010، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر (1,25 دولار أمريكي يوميا) في مختلف الدول الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى في إفريقيا من أقل من 300 مليون إلى ما يقرب من 425 مليونا، في حين ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من دولارين يومياً من 390 مليونا إلى ما يقرب من 600 مليون إنسان. وعلى الرغم من هذا فإن نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر انخفضت من 57 في المائة إلى 49 في المائة خلال الفترة نفسها.
وقد أخلفت الدول المتقدمة وعودها فيما يتصل بالمساعدات أو التجارة مراراً وتكرارا. ومع ذلك فإن اليابان، التي لا تزال تعاني منذ عقدين الفتور الاقتصادي، تمكنت بشكل أو بآخر من مواصلة مشاركتها النشطة ــ ليس بسبب مصالحها الاستراتيجية، بل من أجل تلبية واجب أخلاقي حقيقي، وهو على وجه التحديد الواجب الأخلاقي الذي يلزم أولئك الذين هم أفضل حالاً بمساعدة المحتاجين.
إن إفريقيا اليوم تقدم صورة مختلطة. فهناك بعض النجاحات الملحوظة ـــ فخلال الفترة من 2007 إلى 2011، قدمت إفريقيا خمساً من أسرع عشر دول نمواً على مستوى العالم بين فئة الدول التي يزيد سكانها على 10 ملايين نسمة. ولم يكن التقدم الذي حققته هذه الدول قائماً على الموارد الطبيعية وحدها.
وكانت إثيوبيا من بين الدول الأفضل أداء، حيث شهد ناتجها المحلي الإجمالي نمواً بلغ نحو 10 في المائة سنوياً على مدى الأعوام الخمسة التي انتهت بعام 2011، وكذلك رواندا وتنزانيا وأوغندا، حيث سجل الناتج السنوي نمواً تجاوز 6 في المائة طيلة عشرة أعوام أو أكثر. ولكن في حين تشير بعض المصادر إلى نمو عدد الأسر التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في إفريقيا (الأسر التي يزيد دخلها السنوي على 20 ألف دولار) بوتيرة أسرع من نظيراتها في الهند، فإن القارة تضم أيضاً بعض الدول التي تسجل أعلى مستويات التفاوت بين الناس في العالم.
ولم يكن أداء الزراعة التي يعتمد عليها كثير من الفقراء طيبا. فكان الإنتاج عن كل هكتار راكدا. وعلاوة على ذلك فإن 4 في المائة فقط من الأراضي الصالحة لزراعة المحاصيل تروى، مقارنة بنحو 39 في المائة في جنوب آسيا ونحو 29 في المائة في شرق آسيا. ولا يتجاوز استخدام الأسمدة والمخصبات في إفريقيا 13 كيلوجراماً للهكتار، مقارنة بنحو 90 كيلوجراماً في جنوب آسيا ونحو 190 كيلوجراما في شرق آسيا.
وتشكل مشاركة اليابان أهمية خاصة، ليس فقط من حيث المال والدعم المعنوي، بل أيضاً لأن إفريقيا من الممكن أن تتعلم شيئاً من تجربة التنمية في شرق آسيا. وقد يكون لهذا الأمر أهمية خاصة اليوم، حيث يؤكد ارتفاع الأجور في الصين وارتفاع أسعار الصرف على التغير السريع في الميزة النسبية والتنافسية العالمية.
فبعض الصناعات ستخرج من الصين، وإفريقيا لديها الفرصة للاستحواذ على جزء من هذه الصناعات. وتتجلى أهمية هذه الحقيقة إذا ما علمنا أن دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا كانت على مدى الأعوام الـ 30 الأخيرة تعاني تضاؤل قطاع التصنيع. فبحلول أواخر العقد الماضي الذي انتهى بعام 2010، كان التصنيع كحصة من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الإفريقية النامية أقل مما كان عليه في عام 1980 ـــ وهو ما يرجع جزئياً إلى سياسات التكيف البنيوي التي فرضتها عليها المؤسسات المالية الدولية.
الواقع أن أكثر الدول النامية نجاحا ـــ تلك التي في شرق آسيا ـــ فعلت هذا على وجه التحديد، ومن بين الدروس التي تستحق المشاركة هي تلك التي تتعلق بالكيفية التي أدارت بها هذه الدول سياساتها الصناعية في وقت كانت حكوماتها تفتقر إلى ما تمتلك اليوم من تطور وعمق الموهبة. إن نقاط الضعف التي تعيب الحكم قد تؤثر في أدوات السياسة الصناعية، ولكن ليس استخداماتها.
بيد أن الأمر الواضح هنا هو أن اليابان وغيرها من دول شرق آسيا اتبعت مساراً مختلفاً بشكل ملحوظ عن ذلك الذي أوصى به "إجماع واشنطن" برعاية الليبرالية الجديدة. فقد نجحت سياساتها؛ أما إجماع واشنطن فقد انتهى إلى الفشل الذريع في كثير من الأحيان. وستستفيد الدول الإفريقية من التأمل في هذه النجاحات والإخفاقات، وفيما تحمله من معان بالنسبة لاستراتيجيات التنمية الخاصة بها.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.