مصيدة رأس المال

جرت العادة أن ينصب الصياد مصيدة للطيور وذلك لتقع فيها وكذلك تستخدم الصنارة والشبكة لصيد السمك والأمر قد يستخدم في كثير من أعمالنا الاجتماعية اليومية وعلى الأخص صيد المال وجلب الاستثمارات إلى موقع معين وبأساليب مختلفة ومتعددة.
ومع منتصف القرن الماضي بدأت الاستثمارات في العالم تتجه شرقا بدءا من اليابان ثم كوريا فالصين، وقد لا تقف عند فيتنام التي بدأت تستقطب الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية لتبدأ مسيرة ازدهار اقتصادي جديدة.
وقد كانت وما زالت العمالة الرخيصة سببا أساسيا في الذهاب إلى الشرق ولكنها كانت موجودة لما قبل عصور النهضة الاقتصادية بل إن العمالة أرخص في وقتنا الحاضر في إفريقيا وكثير من البلدان الأخرى ولكن ما أكمل النهضة الاقتصادية التي اجتاحت نمور آسيا هو إيجاد البيئة للتقنية الحديثة لتنمو وتزدهر ومن أهم مقومات هذه البيئة قوانين الحماية الفكرية وتسجيلها بجميع أنواعها وتفعيل قوانين الحماية فيها والسماح لمراكز البحوث العالمية المتقدمة بالحماية في نطاقاتها الجغرافية.
وإن كانت الهيئة العامة للاستثمار هي الجهاز المنوط به تسهيل عمليات الاستثمار في المملكة فإنه كان يجب أن يسبقها أو يواكبها إيجاد بنية تحتية للحماية الفكرية وزيادة الطلاقة الفكرية لدى مراكز البحث في المملكة خصوصا في الجامعات والشركات الكبيرة والاهتمام بالاختراعات ودعمها ماديا بشكل مباشر من الدولة.
فلا استغراب من أن سامسونج الكورية تكتسح أسواق الإلكترونيات خصوصا صناعة الهاتف الذكي النقال إذا علمنا أن الدولة الكورية تمنح أي شركة بادئة في التقنية منحا مجانية في كل المجالات مع التركيز على مجالين مهمين ألا وهما مجال تقنية النانو والتقنية الحيوية، حيث تمنح لكل شركة بادئة تنشأ في مراكز الأبحاث المتخصصة في التقنيتين منحا مالية غير مستردة بقيمة عشرة ملايين دولار لكل شركة.
وقد نستغرب من قوانين الضرائب التي تعفي شركات مثل شركة سامسونج ومايكروسوفت من قيمة إيداع البراءات وذلك بخصمها بعد تحققها ودفعها لمكاتب البراءات العالمية من قيمة الضرائب المستحقة على الشركات، مع أنهما أغنى وأكبر شركات العالم وفي المقابل لدينا نجد أن المواطن الفرد يخترع ويدفع جل دخله في عمليات تسجيل البراءات وتطويرها وحده وبلا دعم حكومي، مع استثناء خجول تقدمه منحة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لدعم المخترعين السعوديين وذلك بدفع رسوم تسجيل البراءات لدى المكتب السعودي لبعض المخترعين الأفراد.
وقد استبشرنا خيرا مع إنشاء مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع وكانت بدايتها جيدة، حيث كانت هي المبادر في طلب منحة خادم الحرمين لدعم المخترعين السعوديين، ولكنها تخلت عن إدارتها لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وانحرفت من دعم الاختراعات إلى دعم الأفراد المخترعين في المحافل العالمية لما يجلبه هذا الدعم من الظهور الإعلامي السريع على عكس عمليات التطوير للاختراعات التي تحتاج إلى جهد مضن ووقت طويل مع موارد مادية وبشرية كبيرة وبهذا فقد الوطن فرصة كبيرة للنهوض والتقدم.
فعندما نسمح للشركات العالمية ونسهل لها عملية تسجيل الاختراعات الذي سيبدأ ـــ إن شاء الله ـــ في الثالث من آب (أغسطس) المقبل مع تفعيل انضمام المملكة لاتفاقية تسجيل البراءات العالمية PCT، حيث ستصبح المملكة الدولة 147 في هذه المنظمة، حيث يبين هذا الترتيب أننا لحقنا بالركب متأخرين ولكن علينا أن نسابق الآخرين في تنمية البيئة اللازمة لزيادة الطلاقة الفكرية لدينا.
فإذا زادت كميات تسجيل براءات الاختراع في النطاق الجغرافي لدينا سواء من قبل أفراد سعوديين أو شركات محلية وعالمية فإننا سنوجد البيئة اللازمة لتحفيز بيئة الاستثمار في التقنية لدينا وسنصيد استثمارات كبيرة ستتدفق عبر هيئة الاستثمار العامة وذلك لطلب الاستثمار في تقنيات محمية في نطاقنا الجغرافي شريطة أن يوجد الدعم الحكومي المالي المناسب مع احترام قوانين الملكية الفكرية وبهذا قد نأتي في مرتبة متقدمة وندخل في سباق مع دول مثل فيتنام وغيرها من الدول الصاعدة الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي