رعاية الشباب وصناعة الرياضة

كتبت في مقالين سابقين عن مبادرة MBC ''لا للتعصب الرياضي'' وأهمية هذه المبادرة في معالجة خلل رياضي سلوكي أصبحنا نراه في ملاعبنا وإعلامنا الرياضي، وهو أمر منبوذ لا يقره دين أو عقل أو سلوك، وأتمنى أن تحقق الحملة أهدافها، وفي السياق نفسه كتبت عن الشباب وإعطائهم مساحة للإبداع وإبراز مواهبهم وقدراتهم في مختلف المجالات ورعايتها واحتضانها من خلال حاضنات لتلك المواهب والإبداعات وتحويلها إلى منتجات وطنية مستدامة، خصوصاً أن العالم اليوم يركز على بناء الكفاءات والاستثمار في الموارد البشرية، وأشرت إلى أهمية إعادة النظر في العلاقة الوظيفية والمسؤولية الشبابية ضمن الرئاسة العامة لرعاية الشباب.
الفكرة تنطلق بالفصل في الاهتمام بالشباب من الجنسين في مختلف المجالات والقدرات ورعايتها من خلال جهاز يعنى بالمواهب واحتضانها ورعايتها وتحويلها إلى مشاريع وطنية عالمية رائدة ولا يقتصر الأمر في الرعاية على إقامة المسابقات وغيرها، إنما يتحول إلى مشروع وطني استثماري تشارك فيه مختلف قطاعات الدولة وليست الحكومية فقط، وفي المقابل تركز جهود الرئاسة العامة لرعاية الشباب بعد تعديل الاسم في بناء الرياضة السعودية في مختلف المجالات، خصوصاً كرة القدم وتطوير أنظمتها وفقاً للتطور العالمي لهذه اللعبة وغيرها من الألعاب الرياضية والمشاركات الدولية.
إن التركيز على صناعة الرياضة وتحويلها إلى منتج وطني منافس أمر في غاية الأهمية، خصوصاً مع التسارع العالمي في تطوير كرة القدم وتحولها إلى عمل اقتصادي من خلال خصخصة الأندية ونظام الاحتراف والرعاية وقيام الأندية بتصنيع منتجات خاصة بها وارتفاع تكاليف رياضة كرة القدم، وفي المقابل زيادة الانتماء للمنتخبات الوطنية مقابل الانتماء للأندية، وهذا الأمر أيضاً يتطلب جهدا كبيرا من المؤسسة المعنية بالرياضة السعودية لدراسة هذا الخلل السلوكي ومعالجته والقضاء على التعصب الرياضي في الملاعب والأندية وتطوير برامج سلوكية وغذائية للاعبين وإيضاح أن كرة القدم وغيرها من الألعاب الرياضية الأخرى لم تعد ترفا مجتمعيا أو هواية يمارسها اللاعب، إنما أصبحت مسؤولية وطنية ونشاطا رئيسا يتابعه الملايين من الناس في كل أنحاء العالم.
إن استيعابنا هذه المتغيرات العالمية والنظامية والحاجة إلى مواكبتها والتطور المتوازي معها دون الإخلال بقيمنا ومبادئنا الإسلامية والعربية والتفرغ التام لتطوير أعمالها الرياضية بما يحقق التكامل المتكامل مع هذه المتغيرات، وفي الوقت نفسه تطوير الشراكة مع القطاعات المعنية بالرياضة الشبابية مثل المدارس والجامعات والأكاديميات الرياضية وتطوير الأدوات التي تساعد على اكتشاف المواهب في مختلف الألعاب الرياضية ونشر هذه الرياضات داخل الأحياء السكنية ودعم كشافة الباحثين عن المواهب الرياضية التي تقوم بجذب هذه الكفاءات وتوجيهها إلى الأكاديميات الرياضية التي تشرف عليها الهيئة المعنية بدعم الرياضة السعودية، وكل هذه الأعمال والأنشطة لا بد أن تتحول إلى قطاع اقتصادي منتج، بمعنى تحويل العمل الرياضي إلى صناعة رياضية ذات منتجات بشرية وغيرها من المنتجات الأخرى ذات العلاقة بالألعاب الرياضية المختلفة.
إن صناعة الرياضة وتحولها إلى منتج ذي قيمة عالمية عالية أمر ضروري للمرحلة الحالية التي تعيشها المملكة وارتفاع نسبة الشباب مقابل بقية الأعمار الأخرى والحاجة إلى استثمار طاقاتهم وقدراتهم وتوجيهها بما يخدم متطلبات الوطن في كل المجالات ومنها الألعاب الرياضية المختلفة، وفي الوقت نفسه بناء كفاءات قيادية سعودية في مختلف المواقع والمحافل الرياضية الإقليمية والعالمية، حتى نستطيع أن نكون من صناع المستقبل الشبابي بدلا من أن نجعل من أنفسنا كفاءات إدارية مسيرة وفقاً لتوجهات ومتطلبات ثقافات عالمية قد تقودنا نحو ما لا يتفق مع ديننا وقيمنا الإسلامية العربية. وفق الله من يعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح، والله من وراء القصد.

وقفة تأمل:
«لا يملك الطرب المحزون منطقه
ودمعه وهما في قبضة الطرب
غدرت يا موت كم أفنيت من عدد
بمن أصبت وكم أسكت من لجب
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
تعثرت به في الأفواه ألسنها
والبرد في الطرق والأقلام في الكتب
أرى العراق طويل الليل مذ نعيت
فكيف ليل فتى الفتيان في حلب
يظن أن فؤادي غير ملتهب
وأن دمع جفوني غير منسكب»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي