قاعدة «درء المفاسد» قلّصت أعداد الحجاج والمعتمرين
أيد عدد من المختصين الشرعيين، التوجه إلى تقليص أعداد المعتمرين والحجاج في هذه الفترة، إلى حين انتهاء المشاريع التنموية المزمع تنفيذها في الحرمين الشريفين، مشيرين إلى أن هذا الأمر يدخل في قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وهو ما دعا إليه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، مؤيداً قرار تخفيف أعداد الحجاج والمعتمرين لسنتين أو ثلاث سنوات، حيث عدَّه أمرا ضروريا ولا بد من الاستجابة له وتطبيقه لأنه يحقق مصلحة الأمة على المدى البعيد.
واستشهد المؤيدون بمشروع منشأة الجمرات الذي كان في السابق لا يعدو كونه جسرا من طابق واحد، تزدحم فيه أعداد مليونية كل عام، وبعد أن اكتمل بناؤه من جديد وأصبح ذا طوابق خمس، كيف أن هذا الأمر جلب المصلحة وهو احتواء أعداد أكبر من الحجاج يرمون فيه الجمرات الثلاث بكل يسر وسهولة، وهو ما ينطبق على مشروع المطاف، الذي كان في السابق لا يستوعب سوى 30 ألف طائف، وبعد اكتماله سيستوعب أكثر من 130 ألف طائف وهو أمر سيسهم في راحة المعتمرين والحجاج على المدى الطويل.
#2#
وقال الدكتور محمد السهلي، رئيس مركز الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى، وعضو جمعية حقوق الإنسان في مكة المكرمة "إن ما دعا إليه مفتى عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ هو الصواب، حيث رأى أن هذا الأمر فيه مصلحة للمسلمين، وأن الحاجة الماسة إلى مثل هذه الأوقات التي نشهد فيها تلك العناية الكبيرة التي توليها حكومة خادم الحرمين الشريفين من تنفيذ للمشاريع التنموية العملاقة التي تنفذ في الحرمين الشريفين، والتي تهدف إلى التوسع في تقديم الخدمات للمعتمرين والحجاج، وهو أمر فيه مصلحة للمسلمين، وهو ما تحث عليه المصالح الشرعية، فالقاعدة الشرعية تنص على درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وهذا ما عناه المفتى العام".
وأضاف الدكتور السهلي "الذي ينظر الآن إلى مكة المكرمة يشاهد أنها أصبحت ورشة عمل كبيرة تقوم وتسعى جاهدة بكل الإمكانات لتنفيذ تلك المشاريع، وبالتالي أصبح المسجد الحرام والمنطقة المجاورة له لا يستطيع أن يستوعب الأعداد القادمة إلى مكة المكرمة برقمها القديم، لا تستطيع المواقع تلك أن تستوعبهم وستضيق بهم، وتصعب من خلالها تقديم الخدمات التي تسهل عليهم إتمام مناسكهم، وسيصبح هناك مشاهد تكدس، وهو ما رأت القيادة الرشيدة أن فيه مضرة على المسلمين، وبالتالي أتى هذا التوجه في أن تقلص أعداد القادمين إلى مكة المكرمة سواء من المعتمرين أو الحجاج، وعلى مدى السنتين أو الثلاث المقبلة حتى اكتمال تلك المشاريع، التي ستسهم في احتواء أعداد أكبر في ظل تقديم خدمات تسهل عليهم إتمام مناسكهم".
#3#
من جهته، قال الشيخ الدكتور يوسف الوابل وكيل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي: "لا شك أن ما أشار إليه المفتى العام من توجه السعودية إلى تقليص الأعداد حتى اكتمال المشاريع التي تنفذ في الحرمين الشريفين، وخصوصا توسعة المطاف والساحات الشمالية، وتوسعة المسجد النبوي في المدينة المنورة، هو في صالح المسلمين، ورؤية حكيمة من قبل القيادة الرشيدة في عدم الزج والمخاطرة في تقبل أعداد كبيرة في ظل تنفيذ تلك المشاريع، لأنها وبكل تأكيد ستتسبب في التضييق على القادمين إلى الحرمين الشريفين، وبالتالي ستكون هناك صعوبات جمة في إتمام مناسكهم".
وأضاف الدكتور الوابل "المشروع الكبير الذي تنفذه الحكومة لتوسعة المطاف سيكون ذا منفعة كبيرة على المسلمين، فسعة صحن الطواف قبل تنفيذ توسعته كانت لا تزيد عن 30 ألف طائف في الساعة، أما في حال اكتمال المشروع فسيستوعب أكثر من 130 ألف طائف في الساعة، وهذا دليل على الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة في تقديم كل ما من شأنه التسهيل على المسلمين في إتمام مناسكهم في يسر وسهولة، من خلال تقديم مثل تلك الخدمات التي لا ترجو من خلالها قيادتنا الرشيدة سوى الأجر والثواب من رب العباد".
واستشهد الوابل بمشروع جسر الجمرات الذي كان في السابق يشهد حالات ازدحام وتكدس وتضييق على الحجاج، نظرا للكثافة المتزايدة في كل عام، ما حدا بخادم الحرمين الشريفين أن يأمر بإعادة إنشاء هذا الجسر ليصبح بعد اكتماله منشأة ذات طوابق خمسة تستوعب ملايين البشر في وقت قصير، وقضي على كل مشاهد الازدحام، وهذا الأمر ينطبق على صحن المطاف الذي بلا شك سيكون تحفة معمارية تستوعب أعدادا مضاعفة عما هو عليه الآن.
من جهته، قال الدكتور محمد بن رديد المسعودي، عضو هيئة التدريس بجامعة الطائف سابقا: "إن توجه السعودية إلى تقليص الأعداد القادمة من المعتمرين والحجاج هو درء للمفاسد في جلب المنافع، ومما لا شك فيه أن تلك المشاريع في حال اكتمالها ستكون منافعها أكبر وأشمل وفيه مصلحة كبرى للمسلمين، ولنا في ذلك عبرة وفائدة في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (يا عائشة، لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، بابا شرقيا وبابا غربيا، فبلغت به أساس إبراهيم) ولأن قريشا كانت تعظم الكعبة جدا، فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غيَّر بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، فترك النبي- صلى الله عليه وسلم- مصلحة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام دفعا لمفسدة راجحة.
وكان مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ قد أكد أن قرار المملكة تخفيف أعداد الحجاج والمعتمرين سنتين أو ثلاث سنوات أمر ضروري، ولا بد من الاستجابة له وتطبيقه لأنه يحقق مصلحة الأمة على المدى الطويل.
واعتبر المفتي أن هذه الإجراءات تأتي تمشيا مع متطلبات مشاريع التطوير الكبرى الجاري تنفيذها في المسجد الحرام والمشاعر المقدسة التي تهدف إلى تمكين الحجاج والزوار من أداء مناسكهم بيسر وسهولة.
وتشهد مكة المكرمة والمدينة المنورة تنفيذ عدة مشاريع تنموية تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين، ومن أهمها مشروع توسعة المطاف الذي سيرفع الطاقة الاستيعابية لصحن المطاف حول الكعبة إلى 130 ألف حاج أو معتمر في الساعة بدلا من 52 ألفا حاليا, ويعمل نحو 10 آلاف عامل في تنفيذ ثمانية مشاريع جديدة في ساحات المسجد الحرام منها تطوير دورات مياه في عدة أجزاء من الساحات وإنشاء أخرى حديثة.
وهناك مشروع توسعة الساحات الشمالية من المشاريع العملاقة التي تضيف المزيد لساحات المسجد الحرام من الناحية الشمالية وتعالج مشاكل الزحام داخل الحرم الشريف وساحاته، إضافة إلى توفير الخدمات والمرافق وتحديث البنية التحتية في سبيل الارتقاء بالخدمات المقدمة لضيف الرحمن، والمشروع تشرف عليه لجنة توسعة الساحات الشمالية للحرم المكي الشريف.