السبت, 3 مايو 2025 | 5 ذو القَعْدةِ 1446


مجالس إدارة منبطحة

كان الجدال الدائر في الآونة الأخيرة حول الحكم في جيه بي مورجان تشيس سبباً في حجم قضية أكبر كثيرا، فبعيداً عن فوز جيمي ديمون واحتفاظه بدوره المزدوج بوصفه رئيساً تنفيذيا ورئيساً لمجلس الإدارة، فإن الفشل الأكبر، الذي شهده الجميع كان فشل مجلس الإدارة ذاته ــ وهي المشكلة التي تؤثر في جميع البنوك العملاقة تقريباً على مستوى العالم.
وهذا واضح تمام الوضوح في بنك جيه بي مورجان تشيس. ويقدم لنا تقرير التحقيق الأخير الصادر عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بقيادة عضوي مجلس الشيوخ كارل ليفين وجون ماكين، حول صفقات "حوت لندن" سيئة السمعة، مجرد مثال واحد. فهناك أيضاً سلسلة من الشكاوى والدعاوى القضائية التي تحيط الآن بالشركة. ومن الصعب أن نرى كيف قد يفلت بنك جيه بي مورجان تشيس من ماضيه في أي وقت قريب.
ولكن المشكلة أوسع من ذلك كثيرا: فلن تجد بين البنوك العالمية العملاقة مجلس إدارة واحد يقوم بوظيفته كما ينبغي. فأعضاء مجالس الإدارة يتملقون الرؤساء التنفيذيين، ولا يفحصون قرارات الإدارة بدقة، وباستثناءات ضئيلة للغاية يوافقون روتينياً على طلبات التعويض.
الواقع أن مجالس الإدارة في البنوك تتبنى هذا النهج المنبطح لثلاثة أسباب رئيسية. السبب الأول والأكثر أهمية هو عدم وجود سوق للسيطرة على أكبر البنوك حجما. فلا يستطيع المرء أن يبني مساهمة كبيرة ويستخدمها لفرض الضغوط على مجالس الإدارة ــ ناهيك عن السعي إلى عملية استحواذ عدائية. وتشكل قضية "حوت لندن" مثالاً واضحاً هنا. فالضغوط التي مورست على جيه بي مورجان تشيس كانت تافهة وبلا أثر على الإطلاق ــ ولن يتغير شيء يُذكَر.
ويرجع هذا في الأساس إلى أن الهيئات التنظيمية ــ على الرغم من كل مزاعمها ــ تعمل فعلياً على حماية البنوك العملاقة من انضباط السوق. فقد أصبحت "الأهمية النظامية" عذراً للحفاظ على حواجز الدخول التي لا يمكن اختراقها (وهو سبب آخر وراء رغبة المديرين التنفيذيين في أن يُنظَر إلى شركاتهم باعتبارها أكبر من أن يسمح بإفلاسها).
والسبب الثاني أن أغلب أعضاء مجالس الإدارة يفتقرون إلى القدر الكافي من الخبرة في مجال عملهم. فمَن مِن بين أعضاء مجلس إدارة جيه بي مورجان أو سيتي جروب الحاليين يمتلك خبرة حقيقية في إدارة عملية تداول معقدة ضخمة (وهو ما من شأنه أن يقود هذه الشركات إلى النجاح أو الفشل على مدى العقد المقبل)؟ ومَن مِن بينهم يفهم المخاطر المرتبطة بالاقتصاد الكلي ليس من حيث سطحية وتفاهة الإجماع السائد، ولكن تلك التي تتعلق بالأحداث الضئيلة الاحتمال، ولكنها شديدة التأثير إذا وقعت، التي تتلاعب دوماً بالأزمات المالية؟
إن أعضاء مجالس الإدارة غير المؤهلين لا يطرحون أسئلة صعبة. وبعد مرور خمس سنوات منذ اندلاع أكبر أزمة مالية في 80 عاما تقريبا، أصبح بوسع المرء أن يحصي عدد أعضاء مجالس الإدارة المؤهلين بالشكل اللائق ــ في مختلف البنوك العملاقة ــ على أصابع اليد الواحدة.
ونتيجة لهذا، فإن كبار المديرين في البنوك العملاقة لا يشعرون بأي قدر من الضغط لإزالة طبقات من الغموض، الذي يحمي خوضهم للمجازفات من التدقيق الفعّال. وهذا يساعد على الإبقاء على أعضاء مجالس الإدارة في الظلام ــ ويمنحهم عذراً مريحاً لعدم بذل أي محاولة حقيقية لفهم الكيفية التي تدار بها الأعمال.
وأخيرا، كانت الهيئات التنظيمية أيضاً منصاعة لينة العريكة في مواجهة الرؤساء التنفيذيين للبنوك العملاقة. فالقائمون على التنظيم لديهم القدرة على اشتراط اختيار مجالس إدارة أكثر قوة ــ أو على الأقل تتمتع بالحد الأدنى من الفعالية. فبوسعهم على سبيل المثال وضع شروط التأهل لإدارة البنوك أكثر إحكاما (في الولايات المتحدة على سبيل المثال، متطلبات التأهل ليست جدية). ولكن القائمون على التنظيم يقفون بدلاً من ذلك موقف المتفرج في حين تظل مجالس إدارة البنوك أشبه بالنوادي الخاصة، حيث يُنظَر إلى العضوية باعتبارها أكثر قليلاً من أي زينة اجتماعية.
إن أكبر البنوك كانت خاضعة لإدارة سيئة في الأعوام التي سبقت أزمة عام 2008 ــ حيث أظهرت مزيجاً ساماً من الغطرسة، وانعدام الكفاءة، والإفراط في الاستدانة ــ وقد أصبحت المشاكل المرتبطة بإدارتها اليوم أسوأ مما كانت عليه في عام 2005 أو 2007. وقد أتى في أعقاب أزمة 2008 ركود طويل وعصيب؛ ولا ينبغي لنا أن نتوقع سيناريو مختلفاً الآن.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي