السياحة ليست مجرد عربة يجرها حصان
بداية لا بد من توجيه الشكر والتقدير للعاملين في مجال السياحة الداخلية للجهود التي يقومون بها لإنجاح موسم السياحة في المملكة. ولكن يد واحدة لا تصفق وحسن النوايا وحده لا يحقق الأهداف.
المدهش أن نقرأ عن إنشاء مشاريع سياحية وتراثية في المملكة بأكثر من سبعة مليارات ريال، وهو بالمناسبة أكثر من المبلغ الذي خصص لتطوير السلك القضائي بأكمله الذي سمعنا عنه منذ ستة أعوام عجاف.
السياحة باختصار مرافق وخدمات. السينما والمسرح من المرافق التي يسافر لأجلها السعوديون مئات الأميال لعدم توافرها هنا. أما إذا توافرت، فلدينا من يحاربها ويحاول منعها لأنها "من الموبقات". تَجَمُّعْ المحتسبين الأسبوع الماضي أمام مركز الملك فهد الثقافي في قرية "المفتاحة" في أبها لمنع عرض الفيلم السعودي "هيفاء"، واقتحام محتسبين آخرين للمعرض التشكيلي في جدة ظاهرة سلبية لا تساعد على قيام بيئة سياحية داخلية سليمة.
السياحة هي الشباب، ولكن الاهتمام الرسمي بالسياحة الداخلية محصور على العائلات فقط. هذا يعني أن "يقضب" الشباب الباب لتحتضن أحلامهم المقاهي والشوارع وتجار المخدرات.
أما الخدمات، فلن "أغثكم" بترديد المقارنات الفلكية في أسعار الفنادق المتهالكة مع مثيلاتها العالية الجودة والخدمة في دول الجوار. كذلك لن أتطرق لموضوع رداءة محطات الوقود ــ التي أسميتها في مقال آخر "قنابل موقوتة". وطبعاً لست بحاجة لسرد قصص وروايات عن أداء "الخطوط" التي تعتز بإهانتنا.
هذا ليس كل شيء، فالغياب التام للوحات الإرشادية، وعدم توافر السواحل العامة والمتنزهات النظيفة، وجشع المطاعم المتواضعة، والخدمات السيئة في الشقق المفروشة، واختفاء الواجهات البحرية خلف الأسوار العالية، وانعدام معايير السلامة في مدن ألعاب الأطفال.. كلها عوامل طاردة للسياحة الداخلية.
السياحة هي طرق آمنة، ولكن خطورة وعدم صلاحية بعض الطرق البرية الطويلة لا يشجعان على السفر، خاصة أن الخدمات على هذه الطرق لا تصل لأدنى معايير النظافة أو السلامة.
السياحة هي متاحف ومعالم تاريخية ومناطق آثار متاحة للجميع دون حواجز متشددة أو "غزوات" متشنجة غير رسمية وغير مبررة تصيب السياحة بالإحباط.
السياحة ليست ترفا، بل صناعة واقتصاد، تتطلب وضع أهداف جادة واستراتيجيات منفتحة ومرنة. ضعف البرامج السياحية وافتقارها للتنوع والمرونة لن يحفز المواطن أو الزائر على الاستمتاع بإجازة هادئة على أرض الوطن. النتيجة هي النزوح الجماعي للخارج كما يحصل كل عام.
من الصور الذهنية النمطية عن السياحة الداخلية هي لبعض الأطفال وهم يركبون حنطوراً مزخرفاً بالألوان يجره حصان.
نمتلك من التاريخ والتراث والفنون والآثار والحضارة ما يجعل السياحة الداخلية قادرة على تغيير تلك الصورة وتقديم ما هو أفضل منها بكثير.