الباحثون عن الثراء ضحايا لسماسرة التهريب

الباحثون عن الثراء ضحايا لسماسرة التهريب

لم يكن يتوقع سالم الغضاريفي ''سوداني الجنسية يبلغ من العمر 28 عاما''، أن يتحول حلمه في البحث عن لقمة العيش في ''أرض النفط'' إلى كابوس قد يعرضه إلى الموت في رحلة سمّاها بـ ''العذاب''.
ونشأ الغضاريفي في قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها أربعة آلاف شخص، وظل يسمع كثيراً عن العيش في السعودية وتوافر فرص العمل، وتحسين الدخل خاصة بعد أن سافر كثير من أهل قريته إلى الخليج وتحديدا السعودية، ورجعوا بعد أن تبدلت أحوالهم المعيشية والمادية.
ويقول لـ ''الاقتصادية'' أثناء لقائها به أمام سفارة بلاده في حي السفارات: ''اتخذت قراري بالسفر إلى السعودية بأية طريقة كانت من أجل تحسين معيشتي، وعلمت من بعض أهل قريتي أن الطريق الأقل تكلفة والأسهل للوصول للسعودية هو اليمن''.
ويروي القصة: ''التقيت سماسرة التهريب فأخذوني عبر قارب بحري متهالك إلى الحدود اليمنية نظير ألفي ريال عن كل شخص، حيث كان عددنا نحو 50 شخصا على القارب، ليستقبلنا سماسرة آخرون طلبوا منا عدم التحدث لأي سبب والاكتفاء بتحريك الرأس حتى يظن من يقابلنا أننا من الجنسية الصومالية التي تعاني من نزاعات وحروب وعدم استقرار سياسي''.
ولم يجد الغضاريفي بدا سوى تنفيذ ما يأمر به السماسرة، خاصة أن بعض أهالي قريته نصحوه بعدم مخالفتهم حتى لا تتعرض حياته للخطر، ويقول: ''تنفيذ تعليمات السماسرة أول شرط للسفر بهذه الطريقة، ومنها عند وصولنا إلى اليمن عدم الحديث والاكتفاء بالإيماءة حتى لا يفهم بعض المتعاونين مع السماسرة أننا سودانيون ولسنا صوماليين، فنقع عندها في مشكلة أكبر وهي دفع فدية وإلا تسليمنا للسلطات اليمنية، وهذه الفدية مقابل التستر على وجودنا المخالف وعدم تحويلنا إلى سفارة بلدنا''، ويتابع: ''تعلمت أن الإيماءة هي طريق يسهّل عملية وصولنا إلى الأراضي السعودية''.
ويقاطعه زميله طارق أحمد الذي شاركه الرحلة بقوله: ''أخذونا عبر الحدود البرية اليمنية السعودية في رحلة شاقة جداً وكانوا ينقلوننا من سيارة إلى أخرى بعد قطع عدد من الكيلومترات إلى أن وصلنا إلى الحدود السعودية، وأخذوا منا ثمانية آلاف ريال تم الاتفاق عليها مسبقاً، بعد ذلك أخبرونا أن الحكومة السعودية يقظة جداً لذلك يفضل المشي ليلاً والتوقف نهاراً''. وأضاف: ''عملنا بنصيحتهم فكنا نمشي دقائق ونجلس مثلها إلى أن وصلنا إلى الأراضي السعودية بعد 22 يوما وكنا على استعداد لعمل أي شيء حتى نستطيع أن نسدد المبالغ التي اقترضناها من ذوينا وأنفقناها على عملية التهريب، وكنا على اتصال دائم مع السماسرة في حين احتجنا التنقل من مدينة إلى أخرى كونهم شبكة منظمة''.
وعمد الغضاريفي وطارق إلى العمل أثناء تنقلهم داخل الأراضي السعودية، ويقولان: ''وجدنا كل ترحيب من المواطنين بالعمل لديهم، ولم يسألنا أحد عن هويتنا منهم في مقابل أننا الأقل أجراً، ولم نكن على علم بالعقوبات المترتبة على وجودنا المخالف أنظمة العمل والإقامة، واستقر بنا الحال أخيراً كرعاة للإبل في الرياض براتب 1700 ريال لمدة سنة وستة أشهر''.
ولم يتوقعا أن يواجها تلك الصعوبات التي واجهتهما، مرجعين السبب إلى الصورة المغلوطة والمخالفة للواقع حيث حصلا على مرتبات ''متدنية''، بحسب وصفهما، نظرا لمخالفتهما نظام الإقامة والعمل في السعودية، الأمر الذي جعلهما يعملان في أماكن نائية بعيدا عن أعين السلطات، كما أجبرهما على القبول بأجر متدنٍ.
وجاءت رسائل تلقفها هاتفهما النقال لتمثل لهم طوق الإنقاذ، عنونت بـ ''مهلة التصحيح''، وتفاصيلها بإسقاط العقوبات والغرامات من قبل خادم الحرمين الشريفين عن المخالفين، ليفرا بسرعة إلى سفارة السودان من أجل إنهاء إجراءات عودتهما إلى وطنهما، عازمين على عدم الرجوع إلى السعودية إلا بصورة نظامية أو للعمرة والحج.
ويتفق الغضاريفي وطارق على أن رحلة ''الثراء في أرض النفط ''باءت بالفشل''، ويقولان: ''السبب أن الرحلة بدأت بالمخالفة وحفت بالمخاطر إلا أنها انتهت على خير دون تحقيق المال''.
أما أمجد خان ''في العقد الرابع من عمره'' باكستاني الجنسية، فرحلته مع السماسرة مختلفة حيث استقدم للسعودية بتأشيرة سائق خاص للعمل في منطقة الخفجي، وأخبره سمسار للتأشيرات في بلاده، أن مسمى هذه التأشيرة سيحقق له مبالغ مالية كبيرة، وأنه مجرد غطاء حتى تكون إقامته رسمية، وعليه أن يعمل ''حرا'' في أي عمل أو تجارة يرغب فيها.
وفور وصوله تفاجأ بإعطائه دورة مصغرة من كفيله في كيفية رعاية الغنم، وعندما سأله عن طبيعة عمله لديه قال: ''مجرد راع للغنم''، وأنه لم يستقدمه إلا لأجل ذلك.
لم يرد أمجد خان على كفيله عازما على الهرب، خاصة أن له أقارب كثيرين في السعودية منذ زمن ولديهم الاستعداد لمساعدته فسهلوا له عملية الهرب إلى أن انضم إلى مجموعة أخرى من العمالة الباكستانية الهاربة أيضاً وعملوا سوياً في أشغال يدوية بأجر يومي.
وقال: ''بلغ دخلي اليومي من 120 إلى 150 ريالا''، وظل خان على هذا الحال لمدة خمس سنوات دون أن يستطيع أن يغادر مدينة الرياض التي يعمل من أجل أن يرى أهله في باكستان حتى سمع بمهلة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة فقرر ترك العمل مفضلا الرجوع إلى مسقط رأسه في باكستان.

الأكثر قراءة