أزمة خريجي التربية الخاصة
أزمة الخريجين هي في وجود وظائف تعتبر شاغرة ''علمياً''، ومع ذلك يبقى الخريجون على قائمة الانتظار. كان الجميع يشجعون طلبة كليات التربية على الالتحاق بتخصص التربية الخاصة. التوقعات أعطت فترة تزيد على عشر سنوات قبل أن تتمكن وزارة التربية من تغطية الاحتياج الفعلي للمدارس التي طبقت نظام الدمج بين طلبة التعليم العام وطلبة التربية الخاصة.
بنت الجامعات على هذا المعلومات واعتمدت تخصص التربية الخاصة بسرعة تماشياً مع المعلومات المتوافرة. هذا التجاوب بدا وكأنه سيحول العلاقة بين الجامعات ووزارة التربية إلى علاقة إيجابية يحصل من خلالها كل خريج على فرصة وظيفية، وتغطي الجامعات احتياجات الوزارة كافة. لكن شهر العسل لم يكد يبدأ حتى ظهرت توجهات من وزارة التربية نحو إنهائه.
بدأت وزارة التربية والتعليم بتقديم دورات بسيطة في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة مدتها لا تتجاوز الأسابيع، وتم منح من ينهون هذه الدورات ما سمي بدبلوم التربية الخاصة.
وقعت وزارة التربية والتعليم في خطأين عندما شجعت المعلمين على الحصول على الدبلوم المبسط الذي لا يعطيهم المهارات الكافية للتعامل مع كل فئات التلاميذ الذين يحتاجون إلى مهارات ومعلومات مهمة في التعامل والتعليم والتربية. الأول هو أنها سمت شهادة الدورة ''دبلوم تربية خاصة''، وهذا يعطي الانطباع أن الحاصل على الدبلوم درس ما لا يقل عن سنين دراسيتين للحصول على هذا الدبلوم وهو أمر غير صحيح.
الخطأ الثاني هو في تقديم حافز مالي ليس له سند نظامي للحاصلين على هذه الدورة، وهو ما جعل الأمر أكثر خطراً على العملية التعليمية ككل، وجعل البحث عن البدل غاية وليس وسيلة.
إن التوجه نحو منح الدبلومات في تخصصات علمية هو من المخالفات الأكاديمية التي يجب أن تتوقف عنها أي جهة مهما كان موقعها. القضية التي تعانيها المملكة هي عدم وجود جهة تدرس محتويات البرامج، وتحدد مستوى تحقيقها لمتطلبات الشهادة التي تعطى بناء عليها. هذا أمر يجب أن تتعاون في تحقيقه وزارة التعليم العالي مع جميع الوزارات والمؤسسات التي تحتاج إلى مثل هذه الشهادات.
الإشكالية التي لم أفهمها هي كيف تستطيع الوزارة أن تختصر كم المعلومات الذي يحصل عليه دارس في تخصص مثل التربية الخاصة لأربع سنوات في أسابيع، وتستغني بالتالي عن المتخصصين الذين هم من أبناء الوطن ولهم الحق في ممارسة تخصصهم ما دامت هناك حاجة حقيقية في المدارس. يمكن أن أتقبل أن يحول معلم فيزياء لتدريس الكيمياء أو الرياضيات، ولكن أن يتحول لتدريس علم النفس فهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر جادة لأن ذلك يؤثر في الطالب وفي النظام التعليمي بكامله.
كنت دائماً ممن يرون أن لدينا إشكالية في احترام التخصصات. ليس هناك حصانة في المفهوم الجمعي لدينا سوى لتخصصي الطب والهندسة. برغم أننا نكتشف يومياً الكثير من التجاوزات في هذين المجالين، لكن أن يأتي الاستخفاف بتخصصات علمية وتحويل معلمي التربية الفنية والبدنية واللغة العربية لتدريس طلبة لهم احتياجات خاصة فهذا يحتاج إلى إعادة نظر.
لم يكن مهماً أن نوظف سعوديين خارج مجال تخصصهم، فالتعاقد موجود، وهو الأولى خصوصاً أن الوزارة لديها خبرة معقولة في المجال. عندما اعتمدت الوزارة على المعلمين الموجودين بغض النظر عن تخصصاتهم، أوجدت إشكالية إعادة هؤلاء المعلمين لممارسة تخصصاتهم الأصلية عندما يتوافر المتخصصون من أبناء البلد.
كما أن منح المعلمين الذين يمارسون تدريس مادة التربية الخاصة بدلا ثابتا يضاف إلى رواتبهم الشهرية أوجد صعوبة أكبر في توظيف الخريجين الجدد. معلوم أن كل من حصل على ميزة مالية أو إدارية، لن يتنازل عنها بسهولة، وهذا أوجد معضلة جديدة.
الإشكالية الحقيقية التي لم يتم التعامل معها هي أثر عدم التخصص في تحقيق الأهداف التربوية التي تم من أجلها إيجاد برامج الدمج بين طلبة التربية الخاصة وبقية مرتادي المدارس العامة. لا يمكن أن يقدم معلم لم يحصل على الكم الكافي من المعلومات والتدريب والرقابة والتوجيه، ما تتطلع إليه الوزارة.
لكن كيف يمكن أن يصحح الوضع؟
أرى أن أهم النقاط هي العمل على توظيف المتخصصين في مجال التربية الخاصة والحاصلين على درجة البكالوريوس عن طريق الإحلال. هذا يستدعي أن نخطط لتنفيذ عملية الإحلال بطريقة علمية تبدأ من خلال إيجاد برنامج تقويم كفاءة المعلمين الذين يمارسون وظائف التربية الخاصة، وإحلال البدلاء بناء على برنامج التقويم هذا.
يمكن استبدال المعلمين الأقل كفاءة في المرحلة الأولى والاستمرار في الإحلال حتى تحقيق الاكتفاء. ويمكن كذلك أن تتعاقد الوزارة مع معلمين متخصصين من الخارج لتغطية الاحتياج القائم في المدارس ويتم خفض العدد تدريجياً مع تخرج أبنائنا من الجامعات.
يبقى أن أعود إلى النقطة الأهم وهي أن التعليم والتربية هما عماد مستقبل الأمة ولا يمكن أن تعمل الوزارة على تنفيذ واجباتها من خلال عمليات ''ترقيع'' بل لا بد أن تعمل الوزارة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي على رفع مستويات المناهج، وضمان مخرجات على مستوى عالٍ تستطيع أن تتولى مسؤولية إعداد جيل متفوق يتعاطى مع التحديات بقوة وقدرة وعلم.
يضاف إلى ذلك التأكيد على أهمية التخصص والالتزام بالمتطلبات العلمية لكل التخصصات، وهو ما يساهم في تحقيق الأهداف من خلال قدرات مؤهلة في مجالها، وهو مسؤولية أساسية لوزارة التربية والتعليم.