مصير المستشفيات بأيدي أطباء الطوارئ (2)

إضافة إلى ما سبق من مسببات لطرح الموضوع والعمل بين الأجهزة بأسلوب تكاملي لوضع استراتيجية بعيدة المدى شاملة، فإنه أيضاً (3) يمكن أن يعني هذا التوسع توظيف أعداد أكبر من مقدمي الخدمة من غير السعوديين الذين عملوا في بيئة تختلف معاييرها عن بيئة العمل لدينا، فلا يتمكنون من أداء المهنة وتحقيق متطلباتها، فيستمر مسلسل الأخطاء الطبية- في ازدياد- يلاحق الأجهزة الطبية ''المستشفيات في هذه الحالة'' من خلال تأرجح مستويات الخدمة والتسبب في تشويه المكتسبات الأخرى.
(4) ذكر في التقرير المنوه عنه سابقاً، أن تحويل المرضى من مراكز الرعاية الأولية الصحية لطوارئ المستشفيات كان ملحوظاً بنسبة كبيرة، ما جعل العمل مضاعفاً، وألقى بثقله على طبيب الطوارئ. هذا بالطبع فتح أعين أصحاب القرار على آلية العمل في هذه المرافق الصحية الأولية ليضعوا آلية تنظم عملية التحويل أيضاً.
(5) أصبح لأطباء الطوارئ دور أساسي في تنويم المرضى والتسبب في المشاكل المالية، فهم يعملون 24 ساعة، ويستخدمون أحدث أجهزة الفحص الطبية بحرية أكبر من غيرهم، وسقف الصلاحية في صرف الأدوية عالٍ جداً، ومستوى التأهيل ما زال متفاوتاً بين المستشفيات على نحو واضح ويمكن تمييزه.
(6) إذا كانت مجتمعات تلك الدول المتعلمة والمثقفة وتعتمد في نظامها الصحي على التأمين والتدرج في استشارات الأطباء حسب التخصص والمجال، ثم تصل فيها نسبة المنومين في أقسام المستشفى وهم محولون من قسم الطوارئ من 40 إلى 80 في المائة ''كما ذكر في تقريرRyerson 2013''. فكيف يكون الوضع في نظام يأبى الفرد، إلا أن يزور الاستشاري ولا يمكن أن يعود إلى الطبيب المناوب في المرفق الصحي، ويتجه في كل الأوقات إلى أقسام الطوارئ؛ لأنه يريد عناية على طريقته الخاصة.
هذا كله من جهة، ولكن اقتصادياً ما زلنا لا نستطيع تحديد حجم التكلفة الذي يتسبب فيه استقبال وعلاج ثم تحويل الحالات للتنويم من أقسام الطوارئ. ناهيك عن مدة إشغال الأسرة بعد ذلك، وما صرف عليها نتيجة خطأ مباشرة أو تحويل. إن أوامر أطباء الطوارئ بحسب التقرير الأول أثرت في 50 في المائة من قرارات المستشفى. هذا يعني أن ما يعادل 50 في المائة من ميزانية المستشفى يتحكم فيها أطباء الطوارئ فقط. وإذا كانت الإصابات والوفيات والعاهات الناتجة عن جهود أقسام الطوارئ تصل إلى ما يقارب 25 إلى 30 في المائة من عدد الحالات المستقبلة بها ''حسب تقارير الـ CDC''، فإن قيمة التعويضات وما يترتب على المستشفى القيام به سيزيد تكاليف التشغيل وفاتورة التأمين وغير ذلك.
عملياً لو بدأنا في حصر عدد الحالات الطارئة التي تعالجها وزارة الصحة على مستوى المملكة لوجدنا أنها 1832625 حالة في العام حسب آخر تقرير إحصائي لها. هذا يعني أن هناك أكثر من 2500000 حالة طارئة يمكن أن تباشرها مستشفيات المملكة، وقد تصل مع الزيادة السنوية إلى ثلاثة ملايين حالة. السؤال هنا: كم هو معدل تكلفة الحالة سنوياً؟ وبالتالي ما هي تكاليف مباشرة وعلاج هذه الحالات سنوياً؟ هذا يعني أن هناك فاتورة تدفعها الدولة وأخرى يقوم بدفعها التأمين الصحي. ولكن النتائج المترتبة على الأخطاء لم تحسب بعد، ولذلك كم هي الفاتورة التي تدفعها الدولة؟ وكم هي الفاتورة التي يدفعها المؤمنون من تأمينهم الصحي؟
مبدئياً قد تكون خدمة 937 التي أطلقتها وزارة الصحة في تموز (يوليو) 2013 تخفف من حيث توجيه أعداد كبيرة من المرضى والمراجعين للمرافق الصحية إذا كان التوجيه صحيحاً، إلا أنني أعتقد أن كل عمل يتم بناء على دراسة علمية مسبقة موثقة بنشرها في أكبر المجلات العلمية العالمية، تأخذ في الحسبان الآلية والتكاليف ومحاكاة التشغيل الفعلي سيكون أقوى وأكثر فاعلية على أرض الواقع. هذا مع الاشتراط أن تبدأ كتجربة. كما أن استمرارها عادة ما يكون مصوناً لفترة طويلة إذا ما كانت فترة التجربة متابعة بدقة مهنياً وإحصائياً.
الحلول لا بد أن تكون في عصرنا الحالي منطقية وشفافة وشمولية؛ لأن المجتمع المثقف، والعائدين من الخارج، والذين تلقوا بعض التدريب والتعليم بين الداخل والخارج أصبحوا يتابعون تصرف المكلفين بهذه المسؤوليات، ويريدون أن يكونوا ضمن المعادلة فاعلين ومؤثرين ومنتجين، لا أن تشكل لجنة في كل خمس سنوات لدراسة أوضاع الموارد البشرية وغيرها لتنتهي بتشكيل لجان فرعية.
عموماً ما تقوم به الهيئة السعودية للتخصصات السعودية غير كاف، ولا بد من دعمها للقيام باللازم في هذا المجال. من ناحية أخرى، جهود وزارة الصحة في إنشاء برامج ''حَصِّنْ'' و''إحالة'' سابقاً، و''خدمة 937'' قد تكون مسكنات إلى أن يدخل مجلس الخدمات الصحية في الموضوع. هنا قد يطلب من المجلس إنشاء برنامج ''أحْصِ'' أو ''عَدِّدْ''، حيث المهمة أشمل كمظلة كبرى للخدمات في القطاع ككل. كما أنه قد يشرع في أبحاث ودراسات مهمة مثل هذه تجعلنا خلال السنتين المتبقيتين من الخطة الخمسية الحالية نستبشر خيراً بخمس سنوات، بعدها حين تبدأ المراجعة والتدقيق فيما أنجزنا لعام 2020. أما ما تقوم به وزارة التعليم العالي والجامعات فلا بد أن يُستغل من قِبل أعداد كبيرة من الطلاب والخريجين للتخصص في مجال نحن في أمَس الحاجة لتغطيته قبل عام 2025، وإلا فسنقع في أزمة توفير متخصصين من المستويات المهنية العليا التي نسعى لإيجادها لتحسين وضع الطواقم الحالية في أقسام الطوارئ في المستشفيات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي