الاعتدال والوسطية
جاءت كلمات الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم الخميس الماضي لتؤكد أهمية مشاركة المؤسسات الحكومية والأهلية في نشر الاعتدال والوسطية والاستفادة من النجاحات التي تحققت في السابق والبناء عليها في المستقبل ومعالجة أوجه القصور، إن وجدت.
مشاركة المؤسسات الأهلية هي مشاركة مكونات المجتمع المدني، وبالتحديد أفراد الشعب بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم الجغرافية والفكرية. المشاركة الشعبية هي الشعور بالمسؤولية وحرية الاختيار ومبدأ الشورى والجهد المجتمعي في وضع الخطط وتنفيذها وتقييمها.
ربما تكون هذه فرصة سانحة لطرح مشروع انتخاب ممثلي الشعب في مجلس الشورى بالتدرج. (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين). عملية التنمية المستدامة لا تتحقق بكل أهدافها بفاعلية وكفاءة دون مشاركة المواطنين المعنيين بالتنمية، والمقصود هنا المواطنون ذكوراً وإناث.
ربما هذه أيضاً فرصة سانحة للتأكيد على أهمية إنشاء وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني في السعودية. مجلس الشورى أقر في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2007 مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي يقنن اللوائح ويتضمن تأسيس هيئة وطنية للإشراف عليها.
مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية يحتوي على 51 مادة مقسمة على سبعة فصول تناولت الأهداف والتعريفات والتصنيفات، إضافة إلى إنشاء الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية وما يتعلق بمهامها وتنظيمها الإداري، وإنشاء الجمعيات الأهلية.
أهمية نظام مؤسسات المجتمع المدني تكمن في منح صفة النفع العام لإضفاء هذه الصفة على الجمعيات التي تطابق الشروط بحيث تعطى بحصولها على الصفة عدداً من الامتيازات لإيجاد آلية أهلية لتنظيم وتطوير العمل الأهلي ورفع كفاءاته. بل إن النظام – في نسخته الأولى – أقر إقامة اتحادات تمثل أساساً تنظيمياً لعمل المؤسسات والجمعيات الأهلية في السعودية.
كما هو الحال مع قانون الأحوال الشخصية، ونظام الحماية من الإيذاء، ونظام المؤسسات الأهلية وقوانين وأنظمة أخرى تم إقرارها في مجلس الشورى إلا أنها ما زالت تخضع للمراجعة من جهات تشريعية عدة منذ عام 2002 ميلادية.
أما الفكرة الأساسية المهمة الثانية التي جاءت في كلمة الملك عبد الله فهي تأكيده على الاعتدال والوسطية. الوسطية ليست مجرد موقف بين التشدد والانحلال، بل منهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي بعيداً عن التشنج المتشدد والحرية المطلقة.
لعلي أركز على ثلاثة أركان رئيسة للاعتدال والوسطية. الأولى هي المواءمة بين ثوابت الشريعة الإسلامية ومتغيرات العصر الحديث. الثانية هي فهم نصوص القرآن الكريم والسنة المشرفة في ضوء مقاصدها الكلية وليس اجتزاء واختياراً لما يناسب الوضعية الوقتية. الثالثة هي التيسير في الفتوى وتحديد المخولين رسمياً وشرعياً لها، استناداً إلى الأهلية الشرعية المعتبرة، منعاً لتداخل وتعدد الفتاوى، خاصة مع انتشار فتاوى الفضائيات والمواقع الإلكترونية.
مررنا بمراحل عدة أثبتت لنا أن المرونة والعقلانية أفضل من التشدد والعصبية. الإسلام دين وعقيدة، لكنه أيضاً دين ودنيا وقيم إنسانية واجتماعية.