«أخشى ألا أخشى» (1 من 2)
''أخشى ألا أخشى فأتمرد'' عبارة استوقفتني كثيرا لما تحمله من مدلولات كثيرة تمثل موقف الإنسان مع نفسه ومجتمعه ووطنه وربما دينه وربه، فعندما يجد الإنسان نفسه غير مبالٍ بما حوله ولا يوجد له كبير، كما كنا نقول في السابق ''الذي ليس له كبير يجعل له كبيرا''، بمعنى يجعل له شخصا قدوة يحترمها ويقدرها ويستمع لتوجيهاتها وأدائها, وما نعيشه اليوم من انفلات أخلاقي سلوكي من عدد كبير من الشباب وغياب مفهوم الاحترام للكبير وأصبح كل واحد منهم ومن الجنسين شيخه آيباده ''I Pad'' بمعنى يقوقل كل معلومة ويعتمد عليها وعلى ما يكتب فيها ولا يستمع لمن هو أكبر وأعرف منه من أهله وإخوته وجيرانه وأصبح كل واحد له رأيه في كل شيء, هذا الطرح والتوجه يغيب الهيبة للأب والأم والجار والصديق، وجعل شبابنا في شبه غياب لقيم الاحترام وهيبة الآخر وهو ما تطور بعد ذلك إلى غياب الخشية من الخطأ والعيب، ولم يعد للصغير كبير يقدره أو يهابه، وهذا أدى إلى انعكاس هذه الثقافة على السلوك العام مثل قيادة السيارة والمضايقة في الشوارع والأسواق وتعمد إيذاء النساء, بل إن الأمر وصل إلى التباهي بذلك بشكل مشين.
لعلنا نلاحظ جميعا كيف خرج علينا مجموعة من الشباب المتهور ممن يسمون أنفسهم ''بالدرباوية''، وهي مجموعة تحاول الانتحار وقتل من تستطيع معها، وأحد أهم الأسباب هو غياب الخشية من العقاب الأسري أولا ثم انعكاس ذلك على غياب الخشية من رجال الأمن وسلطة الدولة وهيبتها.
إن تعزيز ثقافة الاستهتار في الكثير من شؤوننا الحياتية من المسؤولين العاملين والعاطلين والشباب والمقيمين بدأت تأخذ منحى خطيرا هذه الأيام، وهو ما أدى إلى ضعف الإنتاج وزيادة الإهمال، ولو التفت كل واحد منا حوله لاكتشف حجم هذه الفجوة المخيفة من اللامبالاة وبشكل غير مسبوق من الجميع وأصبح الوطن ككل مستباح من الجميع وللجميع، وهذه ليست صيغة مبالغة أو نظرة سوداوية أو محبطة، لكنها نظرة تقييمية شخصية تستند إلى الكثير من الظواهر السلبية التي تعززت خلال الفترة الماضية وارتفاع وتيرة عدم المبالاة أو الخشية حتى إن العقلاء بدأوا يرددون ذلك من خلال مقولة ''أخشى ألا أخشى فأتمرد'' والتمرد هنا يمكن أن يقاد إلى مساحات ومواقع أكثر خطرا على أمن الوطن والمواطن.
التمرد وغياب ما لا يخسره الشخص بتمرده واستغلال ذلك من فئات تتربص بمجتمعنا الفرص للانقضاض علينا بأيدينا من خلال الدفاع بثقافة اللامبالاة وعدم الخشية إلى التعدي على الممتلكات العامة والخاصة والأعراف والأموال وإيجاد ضجيج من الفوضى الاجتماعية والثقافية والدينية ويصبح كل واحد هو كبير نفسه وشيخها ولا مرجعية له ولا كبير له, وكما ذكرتُ لو التفت كل واحد منا حوله لوجد الكثير من النماذج التي ربما لا أستطيع حصرها في هذه المساحة ومنها مثلا المسؤول الذي أصبح لا يخشى المحاسبة فأسرف في سوء عمله، والموظف الذي أسرف في سوء أدائه، والتاجر الذي لا يرى إلا مصلحته، وقائد المركبة الذي لا يحترم رجل الأمن، ورجل الأمن الذي لا يحترم النظام، والطالب الذي لا يخشى أو يحترم مدرسه، والمدرس الذي لا يحترم أداء أمانته بما يرضي الله، والإعلام والإعلاميون الذين لا يعتقد بعضهم أن هناك يوما لا ينفع فيه مال ولا بنون، والقائمة هنا تطول فيما وصلنا إليه من ضعف الخشية المؤدية إلى حسن السلوك واحترام القيم والأنظمة والعمل، وقبل كل ذلك نخشى الله وما كلفنا به من أمانة لقوله تعالى ''إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا''.
إن أمانة المسؤولية ومراقبة الواقع ومعايشة الكثير من المشكلات اليومية والتغيرات السلبية المجتمعية وغياب الرؤية الوطنية المعززة لمسؤولية المواطنة واحترام القيم والنظام وتمادي فئات خارجة عن روح الوطن والمواطنة من داخله وفئات تعمل من خارج الوطن من أبنائه العاقّين أو مَن سبق لهم مص دماء الوطن من غير أهله أو من الحاقدين على وحدة هذا الوطن ويرغبون في خلق فوضى أكثر من خلاقة سواء لاستغلالها لمزيد من الفساد أو لشيء في أنفسهم يدعونا جميعا لاستيعاب حجم المشكلة وتطورها وأثرها السلبي لكل ما هو جميل في هذا الوطن الجميل الغالي. وللحديث بقية بشيء من التفصيل في مقال قادم - بإذن الله, وكل عام وأنتم بخير، وأسأل الله أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم وسائر أعمالهم الصالحة.
وقفة تأمل
''يا كعب ما راح من قوم ولا ابتكروا
إلا وللموت في آثارهم حادي
يا كعب ما طلعت شمس ولا غربت
إلا تقرب آجالا لميعاد
لا خير في عيش من يحيا وليس له
ذوو ضغائن لا تخفى وأحقاد
إني وإياك والأمثال نضربها
في حين زجر على قرب وإبعاد
لا ألفينك بعد الموت تندبني
وفي حياتي ما زودتني زادي''