إلى أين تتجه أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا؟
إن النمو الكبير في إنتاج الغاز الطبيعي في أمريكا بعد عام 2010م وانخفاض الأسعار تباعاً لذلك خلط كثيرا من أوراق منتجي هذه المادة الاستراتيجية، ما جعل الكثير من هذه الشركات تحول حفاراتها من حقول الغاز الصخري إلى حقول يوجد بها سوائل أكثر، ولذلك انخفضت أعداد حفارات الغاز في عام 2012 مقارنة بعام 2011م. إلا أنه ورغم هذه الأجواء الضبابية سوف يستمر النمو في إنتاج الغاز الصخري ليصل إلى 53 في المائة من إجمالي الغاز الطبيعي المنتج في عام 2040م بحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية. وبالطبع فإن هذه الوفرة في إنتاج الغاز الطبيعي أدت إلى زيادة كبيرة في العرض وبالتالي إلى انهيار الأسعار. وتعد أمريكا أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، حيث أنتجت في عام 2012م 681 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي منها 265 بليون متر مكعب غاز صخري وهي أيضا أكبر مستهلك للغاز الطبيعي بالعالم.
ولقد انخفضت أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا نتيجة لهذه الوفرة في الاحتياطيات وفي الإنتاج. فبعد أن وصلت إلى 12 دولارا للمليون وحدة حرارية في عام 2006م أصبحت الأسعار الآن تراوح بين 3 و 4 دولارات. وبحسب جريدة وول ستريت جورنال (29 مايو 2013م) لا يوجد سعر موحد للغاز الطبيعي بالعالم وتختلف أسعاره بالعالم باختلاف الدول فهو يباع بـ 0.75 دولار في السعودية ويباع بأمريكا بـ 3 - 4 دولارات وفي أوروبا بنحو 12 دولارا وفي آسيا وصلت أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى 16 - 17 دولارا للمليون وحدة حراراية.
إذا رافق هذا الانخفاض في أسعار الغاز بأمريكا ارتفاع في الأسعار العالمية، سواء في آسيا (الغاز المسال) أو أوروبا (الاحتكار الروسي). وبهذا تعد أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأقل في العالم الصناعي وفي المملكة من الأقل عالمياً. لذلك اتجهت أنظار شركات إنتاج الغاز الصخري في أمريكا لتصدير الوفرة من إنتاجهم إلى أوروبا وشرق آسيا لتستفيد من الفرق الكبير بأسعار الغاز بين أمريكا وآسيا وأوروبا.
تقدم إلى الآن للحكومة الأمريكية 23 طلبا لمشاريع تصدير للغاز المسال بغرض طلب الموافقة لهم بالتصدير. وتبلغ طاقة أول ثمانية مشاريع نحو 140 بليون متر مكعب سنوياً، بينما تبلغ الطاقة الإجمالية للمشاريع 23 المتقدمة بطلب الرخصة 300 بليون متر مكعب سنوياً.
ولقد سمحت الحكومة الأمريكية إلى الآن لثلاث شركات بتصدير الغاز المسال إلى أوروبا وشرق آسيا وغالباً ما سيبدأ التصدير في عام 2015م. وتصل قيمة الكمية المسموح بتصديرها إلى الآن للمشاريع الثلاثة نحو 57 بليون متر مكعب سنوياً أو 42 مليون طن متري سنوياً. الجدير بالذكر أن صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية محكومة بقانون التصدير إلى الدول المشتركة مع الولايات المتحدة في اتفاقيات للتجارة الحرة. ومن المتوقع أن تنتج أمريكا في عام 2016م نحو 725 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي فتصبح نسبة تصدير الكميات المسموح بها إلى الكميات المنتجة نحو 8 في المائة.
وفي كل هذه الموافقات لتصدير الغاز يوجد بند يقول إنه يحق للحكومة الأمريكية التراجع عن السماح بالتصدير في حالة وجود ضرر على الاقتصاد الأمريكي وهذا يدل على أن مصلحة الدولة والوطن مقدمة على مصلحة الشركات والأفراد. ولقد درست إدارة معلومات الطاقة الأمريكية آثار تصدير الغاز الطبيعي المسال على أسعار الغاز الطبيعي داخل أمريكا فكانت نتيجة الدراسة كالتالي:
لا شك أن الغاز الصخري أدى إلى تدهور أسعار الغاز في أمريكا وتصديره سوف يعيد بعض القيمة له وللشركات المنتجة. لذلك سيرتفع سعر الغاز الطبيعي بأمريكا إلى 5.07 دولار للمليون وحدة حرارية في حالة تصدير 41 بليون متر مكعب سنوياً. أما في حالة تصدير 82.7 بليون متر مكعب سنوياً فسيرتفع السعر إلى 5.3 دولار للمليون وحدة حرارية. وفي حالة ارتفاع الكمية المصدرة إلى 165 بليون متر مكعب سنوياً، فسيصبح السعر 5.73 دولار للمليون وحدة حرارية. وهذا يعني في حالة السماح لنصف المشاريع المتقدمة لأخذ الموافقة بالتصدير فسيصبح سعر الغاز الطبيعي بأمريكا نحو 6 دولارات للمليون وحدة حرارية.
من الصعوبة بمكان الموافقة لكل الشركات التي طلبت التصدير وإذا ما تم ذلك فهذا يعني تصدير 300 بليون متر مكعب، بينما سينمو الطلب الأمريكي على الغاز الطبيعي ليصل في تلك الفترة إلى نحو 760 بليون متر مكعب. طبعاً لا يفوتنا أن الإنتاج الأمريكي للغاز الطبيعي سيزيد وبحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية قفز الإنتاج الأمريكي للغاز الطبيعي من عام 2011م إلى 2012م بنسبة تقدر بنحو 5 في المائة ولكن زيادة الإنتاج في عام 2013م و2014م ستكون غير محسوسة أي نحو 1 في المائة. ولو فرضنا أن الإنتاج الأمريكي سيصل بأحسن الأحوال إلى 780 بليون متر مكعب في عام 2020م، فإن الكمية المؤمل تصديرها للخارج (300 بليون متر مكعب سنوياً) ستشكل نحو 38 في المائة وهي نسبة كبيرة وتؤثر كثيراً على الاستهلاك وعلى الأسعار وربما على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام. لذلك فقد يتم السماح بتصدير 100 - 150 بليون متر مكعب سنوياً وهي تشكل ما قيمته 13 - 19 في المائة. وتبقى هذه النسبة متوازنة ومعقولة فهي لن تؤثر بدرجة كبيرة في أسعار الغاز الطبيعي بأمريكا وفي نفس الوقت ستعيد الروح إلى صناعة إنتاج الغاز الطبيعي بأمريكا بعد أن عانت من تدهور الأسعار وفقدت جاذبيتها للاستثمار.
وسيرتفع في هذه الحالة سعر الغاز الطبيعي بأمريكا إلى حدود 6 دولارات للمليون وحدة حرارية، ولكن هذا السعر قد يرتفع أكثر فيما لو ارتفع استعمال الغاز الطبيعي كوقود لوسائل النقل وإذا ما تم استبدال وقود محطات توليد الطاقة من الفحم أو الوقود النووي إلى الغاز الطبيعي. أما أسعار الغاز الطبيعي المسال فمن الطبيعي أن تنخفض لدخول كميات إضافية للأسواق، ولا ننسى أن هنالك كميات أخرى ستأتي من مشروع اكسون في غينيا الجديدة والكميات الكبرى التي ستأتي من أستراليا ومن إفريقيا. الحقيقة أن اتجاهات أسعار الغاز المسال من الصعوبة التنبؤ بها وذلك لكثرة المتغييرات. ولكن سيكون انخفاضها بسبب كثرة العرض من الأمور شبه المؤكدة.
يبدو أن أمريكا قد قررت السماح بالتصدير التدريجي حتى يمكنها ملاحظة التغيرات على الأسواق وعلى الاقتصاد ورصدها والقيام بالتصحيح اللازم لتبدو العملية انسيابية وبدون اهتزازات وخلخلات. وكان هذا القرار بناء على مصلحة الدولة، إذ إنها رأت أن التصدير سيكون في المصلحة العامة رغم الاعتراض الكبير من داو كميكال وأخواتها. من حق كل دولة أن تتخذ القرار الذي يصب في مصلحتها ومراجعة الأسعار والسياسات هي من الأمور الحكيمة. وبقرار التصدير هذا ستستطيع الشركات المنتجة للغاز الصخري الاستمرار في الإنتاج والتوسع في عملياتها وستحتاج إلى أيد عاملة أكثر وهذا سيعود بالفائدة على المواطن الأمريكي بزيادة فرص العمل.