التنمية .. الفساد .. مَن يغرد خارج السرب؟
لا أقول "يجانبه الصواب"، بل أقول بلهجة الواثق "يخطئ" من لا يعترف بأن "الفساد" بشقيه الإداري والمالي هو الذي يقف خلف ومع تأخر مسيرة التنمية الشاملة ومشاريع البنية التحتية في هذا الوطن, والمفارقة أن هناك تناغما عند متابعة واقع البحث الجاد عن الإنتاجية والتطوير والنهضة بالخدمات ومواكبة التطلعات والطموح على مستوى الفرد والمجتمع والدولة في عرف التخطيط والتنظيم الاستراتيجي والموارد المالية في الميزانيات المعلنة والمخصصة لهذه المشاريع والبرامج التنموية والخدماتية، بينما يجسد واقع حال تهيئة ومتابعة ودعم تنفيذ هذه الاستراتيجيات التطويرية بعد اعتمادها مفارقة لا تخلو من الدهشة والغرابة ليس للمتابع أو المختص في علم الإدارة أو الاقتصاد أو التنمية الشاملة والمستدامة فقط، بل يشكو ويتندر في الوقت نفسه شريحة كبيرة من المواطنين على الآلية العملية والتنفيذية والرقابية لسير دفة العمل في بعض القطاعات الحكومية ذات العلاقة في هذا الخصوص.
دعونا نتعرف على هذا "الشبح" غير الخفي في عرف المصلحة العامة قبل التعريفات اللغوية, يعرّف "الفساد" في اللغة بأنه ضد الإصلاح ونقيضه هو الصلاح، ويعني التلف وخروج الشيء عن الاعتدال (أفسد الشيء أي أساء استعماله), ويمكن أيضا تعريف الفساد بأنه كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام أو الخاص لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية أو جماعية، ويعد الفساد الجريمة الأكثر خطرا بين الجرائم التي تنال من أمن واستقرار ورخاء المجتمع وقيم العدالة وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة، كما أن الحديث عن الفساد لا يخص مجتمعا أو دولة بذاتها، إنما هو ظاهرة عالمية تجسد وتعكس واقع الضعف في بنية البيئة الثقافية، وكذلك في النسيج الأخلاقي المجتمعي الذي يسهم بدوره في تفشي ظاهرة الإحباط والسلبية بين أفراد المجتمع وبروز التعصب والتطرف والقناعات الخاطئة وانتشار الجريمة كرد فعل مباشر لعدم تكافؤ الفرص، كما أن تداعيات الفساد بأنواعه قد تلقي بظلالها ومردودها السلبي معنويا على البعض من أصحاب الكفاءة والعلم والمعرفة عند استبعاده أو تهميشه من المشاركة العملية والمهنية في مسيرة البناء والعطاء داخل الوطن، وبالتالي ينخفض أو يقل الشعور بقيمة وروح المبادرة ويسهل التقبل النفسي لفكرة التفريط في أداء الواجب العام.
معللتي بالوصلِ والموتُ دونهُ
إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ
وفي المقابل .. هل من المنطق أن نقبل بتجاوزات مَن يفتقد واقع وتطبيقات المسؤولية الاجتماعية وغياب وازع المواطنة على أساس أنه واقع يمكن له أن ينخر في جسد التنمية المجتمعية والبنية التحتية تحت اسم وخيال "فزاعة" يتوقف عندها البعض ومعها تصعب الحلول؟
كما أن هناك أسئلة متناغمة مع أمثلة من الواقع في حاجة إلى إجابة عاجلة في هذا الخصوص: مَن يعطل مسيرة التنمية الشاملة وتوجهات وتطلع الدولة – رعاها الله – في التطوير والإصلاح؟ ولماذا ما زالت البنية التحتية لبعض المواقع والمشاريع الخدماتية لا تعكس توجه المصلحة العامة عند ملاحظة مباشرة المهام الخدماتية في مبانٍ مستأجرة أو قديمة كما هو الحال في بعض مراكز الرعاية الصحية الأولية والمدارس؟ هل أصبح الواقع العملي والعلمي لمخرجات التعليم بعيدا عن التربية بعد أن اختفت هيبة المعلم والمدرسة؟ كيف أصبح التأمين الصحي التعاوني خدمة للمقيمين من غير السعوديين بينما المواطن محروم منها؟ أين الدراسات العلمية الحديثة الموثقة ومراكز الأبحاث التي تكشف "لغز" نوعية ومصادر ومخاطر التلوث البيئي على الصحة العامة؟ هل شريحة الشباب من دون "رعاية" عطفا على ندرة الأنشطة التثقيفية والاجتماعية، وكذلك التراجع في الإنتاجية والتصنيف الرياضي؟ أليس من المعيب أن تطول الفترة الزمنية لتنفيذ بعض مشاريع استحداث أو ترميم بعض الطرق والكباري على حساب الجودة والنوعية بعد ذلك؟ هل تمكّن مجلس الشورى ولجانه "بلغة الواقع العملي والقناعة المجتمعية قبل الأرقام" من استشراف ومباشرة تطلعات واحتياجات الفرد والمجتمع؟
وبعد هذه القراءة المختصرة, ألا يحق للفرد والمجتمع أن يسألا: "من أنتم"؟