هل يتحقق الحلم الأمريكي بإنتاج الإيثيلين؟
أعلنت بعض الشركات البتروكيماوية في أمريكا نيتها إقامة سبعة مصانع لإنتاج نحو عشرة ملايين طن من الإيثيلين بحلول 2020، نتيجة الوفرة في الإيثان المصاحب لاستخراج الغاز الصخري في أمريكا. وتبلغ الطاقة العالمية الحالية لإنتاج الإيثيلين 143 مليون طن سنوياً، أما الطاقة الإنتاجية الأمريكية الحالية فهى 28.1 مليون، وهي أكبر طاقة في العالم تليها كل من الصين (13.6 مليون طن) والمملكة (13.1 مليون طن). وبهذا الإعلان ستصبح طاقة أمريكا لإنتاج الإيثيلين في حدود 38 مليون طن بحلول 2020 لو نفذ ما تم الإعلان عنه.
استهلك العالم عام 2012 نحو 129 مليون طن إيثيلين وسينمو استهلاك العالم للإيثيلين بنحو ستة ملايين طن سنوياً بحسب IHS وبذلك سيصل الطلب العالمي على الإيثيلين إلى نحو 180 مليون طن في عام 2020، أي أن الإنتاج العالمي يجب أن يرتفع بنحو 40 مليون طن بحلول 2020. وستكون معظم هذه الزيادة (70 في المائة) من نصيب الصين ودول الخليج العربي، أما الباقي فسيكون من نصيب أمريكا الشمالية.
استطاعت صناعة البتروكيماويات الأمريكية أن تنهض مرة أخرى بمساعدة الغاز الصخري الذي أنتج الكثير من سوائل الغاز الطبيعي. وتنتج أمريكا حالياً 2.5 مليون برميل يومياً من هذه السوائل؛ التي هي عبارة عن إيثان وبروبان وبيوتان وبعض المكثفات. وسيقفز إنتاجها من هذه السوائل إلى 3.1 مليون برميل بحلول 2016. وتعتبر هذه السوائل أساس الصناعات البتروكيماوية وعمادها، حيث ينتج منها الإيثيلين والبروبلين والبيوتادين. ويعني توافرها بكميات تجارية الاستغناء جزئياً عن لقيم النافثا باهظ الثمن. ويجب التنبيه إلى أن ربحية صناعة البتروكيماويات تزيد كلما تم الاستغناء عن استخدام النفط ومشتقاته فيها، لذلك فإن أحد التقارير العالمية توقع ارتفاع عائدات صناعة البتروكيماويات الأمريكية بنحو 60 مليار دولار سنوياً بحلول 2020 بسبب الاستغناء عن لقيم النافثا، وبسبب الوفرة في إنتاج الغاز الصخري وسوائل الغاز الطبيعي من تلك الصخور.
الإيثان الصخري منتج ثانوي ولا يتم استخراجه وحده، إنما برفقة الغاز الطبيعي، لذلك ترتبط أسعارهما ببعض. إن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا جعل شركات إنتاج الغاز الأمريكية تستهدف الغاز الصخري غير الجاف الذي يحتوي على 16 في المائة إيثان وكميات أقل من البروبان والبيوتان. ورغم أن أسعار الإيثان الحالية انخفضت، لكن يبقى إنتاج الإيثان أكثر ربحاً على المدى البعيد، وذلك بسبب توقع ارتفاع أسعاره على المدى المتوسط، حين يتم الانتهاء من بناء الطاقة الإضافية لتكسير الإيثان. من الصعوبة الاستمرار في الاستثمار في استخراج الإيثان وفصله عن الغاز الطبيعي وبيعه بأقل من ستة إلى ثمانية دولارات على أقل تقدير. ويتوقع تقرير لماكينزي أنه في حالة بناء مصانع تكسير حرارية تستغل وفرة الإيثان المنتج، فإن سعر الإيثان عندئذ سيرتبط بسعر النافثا الخفيفة في آسيا. فلو افترضنا أن سعر طن النافثا نحو 800 دولار فإن سعر طن الإيثان سيصبح قريبا منه وبحسم 25 في المائة (على أقل تقدير) يصبح سعر طن الإيثان 640 دولارا، حيث إن كل طن إيثان يحتوى على 49.3 مليون وحدة حرارية فيصبح سعر المليون وحدة حرارية للإيثان في حدود 10 و15 دولارا في عام 2017. ويجب ألا ننسى أن كثيرا من الشركات الأوروبية بدأت بطلب الإيثان الأمريكي، فقد تم توقيع اتفاقية تصدير 20 ألف برميل يومياً للنرويج لاستبدال النافثا في عام 2015.
المخطط المعلن لصناعة البتروكيماويات في أمريكا هو إضافة نحو عشرة ملايين طن إيثيلين في عام 2020. ستنتج من سبعة مصانع تكسير ومن توسعات عدة في مصانع تكسير قائمة. ومن المعلوم كيماويا أن كل طن إيثيلين منتج يحتاج إلى نحو 1.25 طن إيثان كلقيم. إذاً العشرة ملايين طن إيثيلين تحتاج إلى نحو 12.5 مليون طن إيثان كلقيم سنوياً.
وبالعودة إلى مصادر Platts، فإن قمة الزيادة في إنتاج الإيثان ستكون في عام 2015 وستصل إلى 5.5 مليون طن. ومن المعلوم أنه تم الإعلان عن إنشاء سبعة مصانع تكسير حرارية للإيثان بطاقة إجمالية تصل إلى نحو سبعة إلى ثمانية ملايين طن إيثيلين، وهذا يعني أن هذه المصانع الحرارية ستحتاج إلى نحو 9.5 مليون طن إيثان سنوياً. ولو افترضنا أن إنتاج الإيثان الصخري سيستمر في الزيادة ليصل على أعلى تقدير إلى ستة ملايين طن في 2016. وهذا ما بدأ يزعج الشركات البتروكيماوية التي عقدت العزم على تشييد هذه المصانع الحرارية، وأكثر ما يثير قلقهم أن هذه المصانع الحرارية ستحتاج في عام 2017 إلى 9.5 مليون والمتوافر ستة ملايين فقط، وهذا يدل على أن هناك عجزاً يصل إلى 3.5 مليون طن من الإيثان أو ما يعادل لقيم مصنعين. لذلك يوجد قلق حقيقي لدى منتجي البتروكيماويات في أمريكا من الوقوع في فخ زيادة أعداد مصانع التكسير من دون الاستناد إلى قاعدة صلبة وهي توافر لقيم الإيثان الرخيص. وهذا يدل على عدم تقدير للموقف الذي نتج عنه كثير من التردد في إنشاء بعض هذه المصانع. بالطبع يمكن خلط الإيثان مع البروبان لكن يجب ألا ننسى أن البروبان الأمريكي يصدر للعالم بالأسعار العالمية، أي أن أسعار البروبان لن تكون منخفضة للأبد.
إذاً الإيثان المتوافر يكفي لخمسة مصانع تكسير وليس لسبعة، وهذا ما يجعل الشركات البتروكيماوية تتسابق ضد بعضها للظفر بالإيثان. إن أي عجز في إنتاج الإيثان سيزيل كل الميزات السعرية للقيم الإيثان لأن السعر في أمريكا محكوم بالعرض والطلب فقط. وقد تشهد أمريكا ارتفاعا صاروخيا لأسعار الإيثان فيما لو ارتفعت أعداد مصانع التكسير على كميات الإيثان المتاحة. الحقيقة أن الإيثان الأمريكي بالأسعار الحالية مغر جداً وكل شركة تريد أن تظفر بهذا الربح الكبير الذي يصل إلى 800 دولار للطن على أساس أن التكلفة النقدية لطن الإيثيلين عبارة عن 270 دولارا. فلو أن شركة أنتجت مليون طن إيثيلين فإن ربحها سيكون 800 مليون دولار سنوياً فقط من تحويل الإيثان إلى إيثيلين.
نعيش في عالم متقلب ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بما سيحدث في المستقبل، خاصة مع الأحداث المتسارعة بخصوص الغاز الصخري وطفرة إنتاج سوائل الغاز الطبيعي في أمريكا. الأكيد أنه من الصعوبة توفير اللقيم لكل مشاريع الإيثيلين المعلنة وبأسعارها الحالية الزهيدة، لذلك قد تنسحب بعض الشركات من مواصلة تشييد هذه المكسرات الحرارية. من جهة أخرى لن يقبل منتج لقيم الإيثان والبروبان الأمريكي، وهي شركات فيها مساهمون وتبحث عن الربح أيضا، بأن يهدى هذا اللقيم الثمين إلى الشركات البتروكيماوية لتكسب المليارات وهي تتفرج عليها، خاصة مع وجود زبائن من خارج القارة الأمريكية. سيحدث توازن طبيعي بين منتجي الغازات الصخرية ومنتجي البتروكيماويات بحيث يكون سعر اللقيم مربحاً للمنتج وللمستهلك، وهذه من العوامل الصحية للسوق، إذ إن دعم طرف وترك طرف آخر لمصيره لن يؤدي إلى نهضة، وستكون الأمور غير مستدامة. باختصار السوق الأمريكية مفتوحة وحرة، وسينال الإيثان من يدفع أكثر.