أمن الطاقة الخليجي في مواجهة نقص موارد الغاز الطبيعي
تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات كبيرة تتمثل في الزيادة المتسارعة في الطلب على الكهرباء لمواكبة النمو الاقتصادي والسكاني الذي تشهده دول المنطقة. ولقد شهد قطاع الكهرباء نمواً في الاستهلاك يفوق 7 في المائة سنوياً في العقود القليلة الماضية. ويتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء إلى ثلاثة أضعاف خلال الـ 30 سنة المقبلة. وفي مواكبة ذلك تزداد أنشطة تشييد المحطات الحرارية لتوليد الطاقة عن طريق حرق الغاز الطبيعي أو الوقود السائل وحتى البترول الخام في بعض الأحيان.
وفي موازاة ذلك تواجه بعض الدول الخليجية معضلة تأمين الوقود اللازم لتوليد الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي الذي يستخدم كذلك في العديد من التطبيقات الصناعية كوقود في الصناعة البتروكيماوية والألمنيوم والصلب وكلقيم لصناعة الأسمدة والميثانول. وبالمتوسط يتم توليد 50 في المائة من إنتاج الكهرباء باستخدام الوقود السائل مثل الديزل وزيت الوقود والنفط الخام.
ودفعت كارثة اليابان النووية العديد من دول العالم ومن بينها دولة الكويت إلى صرف النظر عن إقامة محطات طاقة نووية مما أضاف للتحديات التي يواجهها قطاع توليد الطاقة الكهربائية وخاصة فيما يتعلق بالبحث عن الطاقة النظيفة وخاصة الغاز الطبيعي. وترتب على نقص الغاز الطبيعي في بعض هذه الدول انتشار حرق النفط الخام ومشتقاته الثمينة مثل الديزل، والأكيد أن مشكلة نقص الوقود تمثل قوة محركة لزيادة النشاط الاستثماري في مجال إنتاج واستخراج الغاز الطبيعي. إلا أن هذا النشاط الاستثماري غالباً ما يصطدم بالأسعار المحلية المتدنية التي غالباً ما تكون أقل بكثير من سعر التكلفة مما يؤدي إلى عزوف أو تردد الشركات العالمية من الاستثمار في هذا المجال.
وفي ظل النمو الكبير في الطلب على الغاز الطبيعي بمنطقة الشرق الأوسط نتيجة لعدة عوامل منها زيادة عدد السكان وخطط التنمية والمناخ فمن المتوقع أن يزداد حجم سوق الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط ليعادل مثيله في أوروبا بحلول عام 2020. ومن أجل تلبية هذا الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في دول الخليج، تعكف بعض دوله على إيجاد الحلول المناسبة التي منها استيراد الغاز الطبيعي من الخارج واستخدام مصادر أخرى لتوليد الطاقة مثل الفحم الحجري، حيث تم الإعلان أخيراً في دبي عن إنشاء محطة تعمل بالفحم النظيف لتوليد 1200 ميجاواط سنوياً في أول مشروع من نوعه في الخليج. ومن الحلول الأخرى إنشاء مشاريع الطاقة الشمسية وإقامة المحطات النووية، وتقوم المملكة العربية السعودية والإمارات بقيادة هذه الاستراتيجية.
لكن يبقى الحل الأقرب للمنطق في المستقبل القريب هو توفير الكميات اللازمة من الغاز الطبيعي المولد الأنظف والأمثل للطاقة. وهنا توجد عدة استراتيجيات تتمثل أولاً في العمل الجاد على الحصول على مصادر أخرى للغاز بالتنقيب والاستكشاف، وتتبنى المملكة هذه الاستراتيجية. والاستراتيجية الثانية تتمثل في إنشاء شبكة للغاز الطبيعي بين دول الخليج العربي، حيث تستورد أبوظبي وعمان في الوقت الحاضر نحو ملياري قدم مكعب يومياً من الغاز من قطر عبر خط أنابيب لنقل الغاز، وذلك ضمن مشروع دولفين.
وأما الاستراتيجية الثالثة فتتمثل في استيراد بعض الدول للغاز الطبيعي المسال، وهي تجارة تزدهر مع الأيام ويتوقع أن تكون دول الخليج العربي من المعتمدين عليها، إذ إن معظم التقارير المختصة تتحدث عن نمو طلب هذه الدول على الغاز الطبيعي المسال. وفي الماضي تعاقدت بعض دول الخليج مع شركات أجنبية، لتسييل غازها وتصديره، دون أن تلحظ حركة نمو الطلب المحلي، وهي الآن تبحث عن مصادر لاستيراد الغاز. فعلى سبيل المثال في عام 2011م استوردت دولة الإمارات 1.2 مليون طن من الغاز المسال وصدرت 5.9 مليون طن. أما في عمان فتستطيع المحطات العمانية إنتاج 10.4 مليون طن من الغاز المسال سنوياً لكن إنتاجها لم يتجاوز 8.8 مليون في السنوات الخمس الأخيرة وتراجع إلى 7.9 مليون في 2011. لذلك فهي تحاول الآن إيجاد مصادر غاز خارجية لتلبية الطلب الداخلي المتزايد الذي أصبح يهدد صادراتها من الغاز المسال. إذا استراتيجية تصدير الغاز المسال لم تدرس على المدى الطويل فما الحكمة في التصدير والاستيراد في الوقت نفسه؟ ويعتقد أن تواجه الإمارات وسلطنة عمان في غضون السنوات المقبلة مشكلة نفاد مواردها من الغاز الطبيعي إذا لم يتم تطوير حقول إنتاج جديدة. وأما دول أخرى مثل الكويت فاستوردت في السنة نفسها 2.4 مليون طن من الغاز المسال، وذلك لتتجنب حرق النفط الخام أو الديزل الثمين. ويتوقع أن ترفع دول الخليج من استيرادها للغاز المسال في المستقبل خاصة في فصل الصيف.
وأما الاستراتيجية الأخيرة فتتمثل في استيراد الغاز من إيران، وفي هذا الصدد حاولت شركة دانة غاز الإماراتية الاتفاق مع إيران لتوريد الغاز من حقل سلمان المجاور للشارقة، ولكن لم يلتزم الجانب الإيراني بالاتفاق، وظل المشروع بمثابة أنابيب تحت مياه الخليج لكن دون غاز. وحاولت البحرين أن تصل إلى اتفاق مع إيران لتحصل على الغاز القريب البعيد عبر الأنابيب، ولكن لم يتم الوصول إلى اتفاق رغم وصول الجانبين إلى مراحل متقدمة ووقعا مذكرة إطارية وتم تحديد أماكن استيراد الغاز؛ إلا أنه إلى الآن لم يتم الاتفاق على السعر لأن الجانب الإيراني لن يقبل بأسعار أقل من الأسعار العالمية المرتبطة بأسعار النفط. ووقعت أخيراً مذكرة تفاهم بين إيران وعمان لتصدير الغاز إلى السلطنة بدءاً من عام 2015 وذلك في اتفاق مدته 25 عاماً وقيمته نحو 60 مليار دولار.
لاشك أن إيران تمتلك احتياطيات هائلة من الغاز، ولا شك أن قربها الجغرافي يعتبر ميزة، لكن عندما تعقد مثل هذه الاتفاقيات لا بد من أخذ كل الاعتبارات. لا يمكن التفكير بعقد مثل هذه الصفقات بمعزل عن الأمور الأخرى، فإيران تحتل الجزر الإماراتية ولها موقف غريب من البحرين وتدخلها في العراق أصبح يعرفه القاصي والدانى، لذلك ينبغي التمهل والتفكير العميق قبل الإقدام على هذه الاتفاقيات. هذا غير الحظر الدولي على إيران، إذ إنه من الممكن مد أنابيب وتحمل الكثير من التكاليف وقد تمنع إيران في المستقبل من تصدير نفطها وغازها بقرار دولي صارم.
وخلاصة الكلام أنه لا يمكن لدول الخليج أن تستمر في تطبيق السياسات القديمة ببيع غازها محلياً للصناعات المختلفة بأسعار زهيدة لا تتناسب مع المرحلة الحالية، ومن ثم تحاول البحث عن مصادر للحصول على الطاقة بتكاليف خيالية. إن اتخاذ سياسات تسعيرية أكثر نجاعة وجدوى من شأنه مساعدة هذه الدول على ترشيد الاستهلاك وعلى تلبية الزيادة الكبيرة في الطلب على الغاز من خلال الاستكشاف والتنقيب والاستثمار في الطاقة المتجددة. موارد الطاقة مهمة والحاجة لها في دول الخليج وخصوصاً في فصل الصيف قد تؤثر في القرارات السياسية، لذلك لا يمكن ربطها إلا مع دول محايدة وليس لديها أجندات على دول المنطقة.