قروض الأعمال الصغيرة.. ضائعة
تشرفت برئاسة إحدى جلسات منتدى نجران الثاني للاستثمار قبل يومين، وبهذه المناسبة أشكر الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز - أمير منطقة نجران - لدعوته الكريمة وأهنئه شخصيّاً واللجنة المنظمة وكل مَن عمل لإخراج ذلك المحفل المهني بالمظهر الرائع وبنجاح فعالياته وحسن تنظيمه وكرم الوفادة لكل من شارك في هذا المنتدى.
لقد كان محور تلك الجلسة عن دور التمويل في تشجيع الاستثمار في منطقة نجران، حيث لن أدخل في تفاصيل ما دار ونوقش فيها أو في تقويم تلك الجهات ذات الشأن أو العلاقة بالتمويل، غير أن هناك عاملاً مشتركاً في رأيي يجعل دوماً كثيرا من أعمالنا سبباً رئيساً في عدم لمس النتائج بالشكل المؤمل أو المطلوب. فحين نتحدث عن تمويل المشاريع الصغيرة أو المتناهية الصغر أو حتى المتوسطة فستجد عدداً من المصادر التي تعنى بها أو على أقل تقدير تعتبر نفسها جهات معنية أو راعية لها، التي إما أن تكون حكومية صرفة أو شبه حكومية أو في القطاع الخاص. إضافة إلى ملحظ آخر أن هذه الجهات أو المنشآت الاقتصادية قد تكون أوجدت في وقت من الأوقات كمبادرة فردية أو ضمن سياق خطة اقتصادية على مستوى إجمالي. وليس هذا فحسب، بل إن الدعم لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة قد تكون ذات صيغة مباشرة أو غير مباشرة.
فهناك مثلاً برامج أو مبادرات أوجدتها بعض المصارف التجارية المحلية وهناك بعض المراكز البحثية الحكومية وهناك المصارف الدولية مثل البنك الإسلامي للتنمية وغيره، وهناك صناديق مستقلة مثل صندوق المئوية وهناك مؤسسات حكومية كبنك التسليف والادخار أو الصندوق الصناعي وغيرها ربما كلها تشارك بطرق مختلفة في دعم تنمية هذا النوع من المنشآت الاقتصادية. إلا أنه على الرغم من كل هذه الجهود المشكورة بالطبع ما زالت لم تحقق المؤمل من منظور اقتصادي، حيث لا تزال الأعمال المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر تعاني تدني دورها المهم في الاقتصاد السعودي.
إن واحداً من الأسباب الجوهرية خلف ذلك الإخفاق هو عدم وجود مرجعية موحدة تعنى بهذا الشأن، إضافة إلى ضبابية أهداف بعض المؤسسات الداعمة في الأصل وإشراكها في أعمال ليس من الواجب وجودها في خريطة الدعم لهذه المؤسسات في المقام الأول. كما يضاف إلى ذلك عدم وجود سياسة وخطة موحدة واضحة المعالم يقوم على تدبير تنفيذها بالآليات المختلفة جهة واحدة، حيث تضطلع بتنسيق الجهود وترجمة السياسة المرسومة لمثل هذا النوع من الكيانات الاقتصادية والاعتناء بكل ما ينوبها من تشريعات وتنظيمات ومصادر مالية، وتسهيل الإجراءات أو إيجادها مع الجهات الحكومية وغير الحكومية. إن في اقتصادنا عدداً من الأعمال أو الأسواق كأمثلة على تدني النتائج وهشاشة البنية بفضل عدم وجود مرجع واحد لها، وما الأعمال الصغيرة والمتوسطة إلا أحدها الذي أرى أن الحال سيكون كذلك حتى يوجد لهذا النوع بيت واحد يرعاه ويقوم على شؤونه باحترافية ومهنية.