«كن إيجابيا» .. وقفة مع كلمة ولي العهد

هل ترى فوق الشوك وردة أم تحت الوردة شوكا؟
الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على نظرتك إلى الحياة، فإن كنت متفائلا (إيجابيا) سترى أن فوق الشوك وردة، وإن كنت متشائما (سلبيا) سترى أن تحت الوردة شوكا، وهذا المشهد لا يغاير مشهد كأس الماء الشهير الذي اختلف فيه البعض، فقال منهم إن نصفه ممتلئ، وقال الآخر إن نصفه فارغ.
أما أنا فقد رأيت ''الوردة''، حين قرأت كلمة الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع في ذكرى اليوم الوطني الثالث والثمانين، إذ شعرت بطاقة إيجابية نشرت التفاؤل في كياني.
ففي الوقت الذي أظهر فيه ولي العهد السعودي جوانب مشرقة من هذا الوطن، أهمها تحقق نهضات إصلاحية لافتة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، متمثلة في مشاريع وبرامج تنموية ضخمة، كشفت كلمته عن دلالات إيجابية تجلت – من وجهة نظري المتواضعة - في خمس رسائل:
- الرسالة الأولى: الإيجابية والعمل البناء لا يتوافران إلا في منظومة مستقرة (..الاستقرار يضمن تطبيق القوانين ويحفظ الحقوق، وهو الذي يهيئ بيئة العمل والإنتاج الآمنة التي تحفز النمو وتشجع على الاستثمار وتخلق المزيد من فرص العمل وفرص التطوير والتوسع).
- الرسالة الثانية: الإيجابية أن يبادر الأفراد إلى الفعل (ضمان الاستقرار وديمومته لا يأتي بالتمني بل بالعمل الجاد لإقامة العدل بعمل منهجي منظم يقوّي مؤسسات القضاء وأجهزة الرقابة ويفعّل أدوات رصد الفساد ويعزز مبادئ النزاهة وينشر ثقافتها ويضمن بالتشريعات والأنظمة والقوانين حقوق المواطنين وكرامتهم وأموالهم وأعراضهم).
- الرسالة الثالثة: الإيجابية أن يسهم الأفراد في التغيير وحل المشكلات بدلا من التشكي والتذمر والهروب من مواجهة التحديات (.. نحن جزء من هذا العالم لدينا تحدياتنا التي نواجهها بشجاعة، نتشارك نحن والمواطنون الأوفياء في الحل والتطبيق، نجتهد ونعمل وبالله التوفيق، لكننا لا نتجاهلها ولا نتركها خلف ظهورنا، نسعى للتغيير متى ما كان الوقت ملائماً والفرصة والموارد متاحة، ونوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الوطن دون جور أو إضرار).
- الرسالة الرابعة: الإيجابية شعور جميل محفز للعمل والإنتاج (التركيز على النقائص والعيوب بوجه يفوق المحاسن والمزايا مهما عظمت أمر معتاد، لكن يجب ألا يسيطر هذا الشعور المحبط فيمنعنا من العمل والإنتاج).
- الرسالة الخامسة: الإيجابية أن تلتزم بالنقد الهادف البناء لا النقد الهادم، وتبتعد عن ''شخصنة'' الأمور (والدولة رعاها الله تجتهد دون كلل في تحقيق رفاهية المواطنين وتتلمس مواطن القصور في قضايا الإسكان وتوفير فرص العمل والرعاية الصحية وجودة التعليم وكفاءة عمل الأجهزة الخدمية فلنمنحها الوقت والفرصة، ولنعينها على التطوير بالنقد القويم وبالمشورة والرأي لا بالهجوم الهادم، وليكن معيارنا أداء المؤسسة وإنتاجها لا الأشخاص والأسماء فهذا ليس من خلقنا ولا تعاليم ديننا).
لذلك، أجد أن رسائل ولي العهد السعودي المكثفة والمحملة بنصيحة ''كن إيجابيا''، قد لامست مشاعري، خاصة وأنا قد قررت منذ زمن أن أقترب كثيرا من ''الإيجابيين''، وأبتعد أكثر عن ''السلبيين''، فالطاقة – إيجابية كانت أو سلبية – هي كالعدوى تصيبك بالسعادة الغامرة أو الكآبة القاتلة.
وللأسف نلاحظ أنه مع انتشار وسائل الإعلام الجديد، زادت لدينا ثقافة التشكي والتذمر والعذربة (رؤية الشوك والتغاضي عن الوردة)، لكن لا أحد من هؤلاء لديه الشجاعة أو الاستعداد أن يتخذ مبادرة أو يطرح حلا يعالج به المشكلات التي يتكلم عنها، لماذا؟ لأن البعض تربى على ''ثقافة السلبية'' بما تحمله من تشك وتذمر وإظهار للمساوئ والنقائص، والسلبيون يعلمون إن إظهار العيوب وطرح المشكلات أسهل كثيرا من المساهمة في عملية الإصلاح، لأن ليس لديهم الوقت لذلك، فهم مشغولون بالتنقيب عن مشكلات جديدة!
الغريب أنك ما إن تحث السلبيين على الرأفة بأحوالهم، وتحضهم على انتهاج ''الإيجابية'' في العمل والحياة، أو تنصحهم بالتسجيل في دورات ''كن إيجابيا''، إلا وتنعت بالغفلة أو تتهم بالعيش في برج عاجي بعيد عن نبض الشارع، فهم يعتقدون أنك تطلب منهم المستحيل، فكيف يكونون ''إيجابيين'' في الحياة، وبعضهم عاطل لم يجد وظيفة، أو موظف لكنه حائر بين راتب لا يكفي وسكن بعيد المنال!
بالعكس، الإيجابية لا تعني أبدا أن تكون غافلا أو تغض طرفك عن المشكلات من حولك، بل تقتضي منك أن تكون واعيا ومطلعا على ما يدور حولك، لكن بدلا من أن تكتفي بالتذمر من الفساد والبيروقراطية وتعثر المشاريع وتردي الخدمات والتخلف السلوكي من حولك، عليك أن تبحث عن دورك الفعال داخل هذا ''المجتمع البشري'' لتسهم في الحل ضمن دائرتك الصغيرة، التي لا بد أن تلتقي بدوائر أكبر داخل هذا المجتمع، وبالتالي نجد أننا أسهمنا جميعا في هدف الإصلاح بدلا من أن نجلد ذواتنا ليل نهار أو نوجه أصابع اللوم لبعضنا البعض!
إنني مؤمن - كما يقول خبير التنمية البشرية الأمريكي ستيفن كوفي - بأن الفرد هو صنيعة قرارته في الحياة وليس رهينة ظروفه، وقراراتنا (في الدراسة أو العمل أو الحياة) تتخذ بحسب رؤيتنا في الحياة – إيجابية كانت أو سلبية – والفرد السلبي لا يعترف باتخاذه قرارات خاطئة في حياته (مثل قرار دراسة تخصص نظري لا يحتاج إليه سوق العمل)، وبالتالي تجده ينقم على محيطه، ويستسلم لظروفه ويظل يشكو من الظلام، وينسى أنه كان بإمكانه أن يشعل الشمعة!
الحياة لا تزال حديقة جميلة، ولذلك، فاسمحوا لي يا ولي العهد باسم المواطنين الذين خاطبتموهم في كلمتكم الوطنية، وخاصة الشباب الذين أشرتم إليهم، أن أشكركم من أعماق قلبي على هذه ''الطاقة الإيجابية'' التي منحتمونا إياها، فنحن نحتاج إلى مثل هذه الطاقة لنواصل إعمار الوطن بجد وإخلاص، ونغرس ''وردة'' بمحاذاة كل ''لبنة'' نضعها على صرحنا المجيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي