«أتلمس استبسالكم أيها الشباب»
عجيب أمرك أيتها الذاكرة، فعندما ترغبين في فتح باب فالقرار قرارك وتخرجين عن السيطرة وتنتقين بمزاجك المفرح والمحزن، البعيد والقريب. أقول لكم هذا لأني استيقظت هذا الصباح وأخذتني الذاكرة دون إذن مسبق إلى مرحلة الطفولة عندما أخذني والدي - رحمه الله - إلى المدرسة للمرة الأولى وصدري كان كالمرجل تترد فيه العبرات والدموع تنهال على الخدين. خرجت من أحضان الوالدة الحنونة إلى عالم لا أعرفه وبيئة ''لك اللحم ولنا العظم''.
وأول ما دخلت أبواب المدرسة وإذا أنا برجل يرتدي ''بدلة إفرنجية'' رأى تعابير وجهي وقرأ خلجات قلبي وإذا هو يبتسم في وجهي ابتسامة أبوية ويرحب بي ويقول: ''أهلا يا ابني إزيّك''، وما زلت أذكر اسم ذلك المربي الفاضل الأستاذ أحمد السيد من مصر. حيث أخذني من يد والدي وأمسك بيدي وحينها أدخل على قلب طفل فزع الطمأنينة والراحة.
وهنا أحب التنويه إلى فترة من الزمن ربما لم يشاهدها الجيل الحالي، لكنها جديرة بالتذكير، حيث لا ننسى الرعيل الأول من الإخوة الأحباب من مصر العربية ''أم الدنيا'' فقدموا إلى أرض الحرمين الشريفين وأخلصوا في أداء واجباتهم.
عندما قدموا إلى المملكة لم يكن هدفهم الأساسي المادة، بل أحبوا العلم والثقافة وأرادوا نشرها في المجتمعات التي يقيمون فيها. كنا نرى الإخوة والأخوات المصريين في جميع القطاعات. تراهم في الدوائر الحكومية والصحية والإعلامية، وترى المهندسين والمزارعين، كل بارع في مجاله، وكسبوا قلوبنا كشعب سعودي، وكسبوا الاحترام من الدولة فشاركوا بكل حب وأمانة في بناء هذا البلد وتطويره.
ونتيجة لهذه الروح الطيبة نمت العلاقات على المستويين الرسمي والشعبي إلى مستويات قياسية وأصبح هناك تمازج رسمي وشعبي، ما نتج عنه فوائد عدة للطرفين، ولا ننسى تلك الروح الواحدة بين الشعبين والحكومتين في حرب أكتوبر المجيدة.
لكن، كما هو معروف، فهنالك دائما من لا يروقه هذا التمازج الروحاني الرسمي والشعبي بين البلدين الشقيقين فحاول وما زال يحاول تعكير المياه الصافية ليصطاد فيها، وهيهات هيهات .. فما بين البلدين أكبر بكثير من أن تتحقق رغبات الحاقدين.
فالود الشعبي وعلاقات الأخوة بين الدولتين على الصعيد الرسمي ستكون دائما وأبدا سدا منيعا ضد المشاغبين. فطبيعة المملكة منذ الأزل الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد آخر، ومهما روج المروجون و''غرد'' المشوشرون، فالمملكة لم تحاول قط مساندة طرف على الآخر في المتغيرات المصرية الأخيرة، بل هدفت بشكل سريع أولا وأخيرا إلى استقرار ''أم الدنيا'' بغض النظر عمن يتولى زمام الأمور. فأولويات المملكة أولا وأخيرا استتباب الأمن والاستقرار والنمو للشعب المصري قاطبة بغض النظر عمن في سدة الحكم، ومنطقنا الشعبي والرسمي الحديث الشريف المروي في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ''إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما''. وروى الطبراني والحاكم عن كعب بن مالك مرفوعا: ''إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما''. وصححه الألباني
وإليكم يا أحد أطيب شعوب الأرض تحية صادقة من بلد يسعد لسعادتكم ويتألم لألمكم، وثقوا دائما أن بلدكم الثاني المملكة على جميع الأصعدة كان ولا يزال في صفكم مهما حاول المشوشرون تقليب الأمور والحقائق الراسخة للنوايا السعودية المخلصة. كما أتلمس نخوة الشباب من البلدين ممن يسعد بسعادة مصر أن يقف سدا في وجه المشوشرين في الإنترنت ويكشفوا حقدهم ويعروا أباطيلهم.
أسألك يا رب أن تعيد كيد الكائدين إلى نحورهم وتتضح حقائق وصدق النيات السعودية الحسنة، كما أسألك يا رب أن يعيش أحبابنا في مصر في طمأنينة وسعادة.