الغرفة التجارية .. فكرة إنجليزية نقلها تجار الحجاز إلى مكة المكرمة
تعيد الفترة الحالية للغرف التجارية التي تشهد مرحلة إعادة انتخاب مجالس إداراتها للأذهان، فكرة إنشاء أول غرفة للتجارة في السعودية، التي سطع نورها من مكة المكرمة، لتسبقها جارتها جدة في الحصول على أول موافقة رسمية للإنشاء في عام 1365هـ. وبالعودة إلى أصل الفكرة وبداية نشأتها، يعود التاريخ بنا إلى الخمسينيات الهجرية، حين قام الشيخ محمد علي زينل التاجر المعروف وصاحب مدارس الفلاح، بإرسال حسين جستنية إلى الهند، وتحديداً إلى مومباي لتعلم أساليب التجارة والإدارة الحديثة.
هناك في بومباي - مدينة الجزر السبعة - التي بدأت منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، لتسجل حضوراً قوياً كمدينة تجارية مهمة، نهل جستنية من علوم المعرفة التجارية والاقتصادية، وشاهد وزار الغرف التجارية وعرف دورها ورسالتها ورؤيتها وحجم الاستفادة منها.
لم تدم الفترة طويلاً، حتى عاد جستنية، حاملاً على عاتقه هموم نقل وتطبيق الفكرة الإنجليزية التي جلبها من الهند إلى مكة المكرمة، وعمد على عرضها وتسويقها على التجار ورجال الأعمال وناقشها مع كبار المسؤولين.
ويبدو أن الفكرة التي جلبها إلى المملكة أهل مكة المكرمة، وهم من اعتادوا على الضيافة والرفادة، لم تكن صعبة في الإقناع، بل إنها كانت المطلب الذي كان غائباً لدى التجار، حيث شهدت الفكرة حراكاً سريعاً أسهم في إنشاء غرفة جدة عام 1365هـ، ثم توالى إنشاء الغرف في مكة المكرمة عام 1366هـ، والمنطقة الشرقية عام 1372هـ، والرياض عام 1381هـ، وأخيراً غرفة بيشة في منطقة عسير التي تم إنشاؤها في عام 1429هـ.
ويأتي قرار إنشاء غرفة جدة كتفعيل لمرسوم ملكي أصدره- المغفور له- الملك عبد العزيز آل سعود عام 1365 للهجرة بتأسيس أول بيت سعودي للتجارة، يدخل حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية كجانب محايد استطاع فتح نوافذ تجارية دون حساسيات سياسية. وعلى الرغم من ذلك إلا أن قضية الموارد والدعم ظلت لسنوات طويلة تعانيها الغرف، ففي جدة كانت البداية مهمومة بتحقيق مكاسب لبقية معادلات التجارة والصناعة سعودياً، لدرجة أنها لم تنل مبنى مستقلاً إلا بعد 27 سنة من العمل اليومي في عدة مبان كان أولها شقة بثلاث حجرات، ثم تعددت تنقلات مقرها حتى استقرت عام 1392 هجرية ولأول مرة في مبنى مستقل بجوار طريق الميناء، ثم مع ازدياد الطموحات تضاعف حجم القوة البشرية المطلوبة، مما استوجب شراء أرض وبناء مقرها الحالي المطل على البحر.
وفي مكة المكرمة كان المقر الأول في منزل جستنية في زقاق البيض بمنطقة المسعى أمام الحرم المكي، ثم نقلت إلى خان اليوسفي بشارع فيصل فوق عمارة لوقف اتفق مع ناظره على استثمار سطحه ببناء غرفة لإدارة الغرفة، ثم انتقل مقر الغرفة إلى الجودرية في الغزة عام 1396 هـ ثم نقلت إلى الحجون عام 1403 هـ، ثم نقلت إلى الرصيفة، وأخيراً إلى المبنى الذي يعد صرحاً حضارياً على الطريق السريع الرابط بين جدة ومكة المكرمة.
وفي الرياض، بدأت المسيرة من شقة صغيرة بالإيجار، يقوم بالعمل بها أربعة موظفين، وأمين عام نشط متحمس، وتقدم خدماتها بالأساليب الشائعة المتاحة في ذلك الوقت إلى أقل من 200 مشترك، ومع جهود مجالس الإدارة المتعاقبة وأمانتها العامة، أصبح مقر الغرفة اليوم، صرحا من معالم مدينة الرياض يضم أكثر من 40 إدارة متنوعة، ويعمل بها 482 موظفا، يقدمون خدمات الغرفة بأحدث أساليب تقنية المعلومات إلى أكثر من 70 ألف مشترك.
ومع التوسع في نشاط أعمال الغرف وتزايد عدد الطلبات لإنشائها، ولتنظيم مجالس إدارتها التي كانت تتم بالتعيين، صدرت موافقة الملك خالد بن عبد العزيز- رحمه الله- في نهاية شهر ربيع الأول من عام 1400 للهجرة، على نظام الغرف التجارية، وذلك لتكون الغرف التجارية والصناعية هيئة لا تستهدف الربح، وتمثل في دائرة اختصاصها المصالح التجارية والصناعية لدى السلطات العامة، وتعمل على حمايتها وتطويرها.
وينص نظام الغرف على أن تتمثل اختصاصاتها في العديد من الأمور المهمة المتعلقة بالتجارة والصناعية، التي منها: جمع ونشر كل المعلومات والإحصاءات التي تتصل بالتجارة والصناعة، وإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالتجارة والصناعة، وإمداد الجهات الحكومية بالبيانات والمعلومات في المسائل التجارية والصناعية، وتقديم الاقتراحات بشأن حماية التجارة والصناعة الوطنية من المنافسة الأجنبية، وفض المنازعات التجارية والصناعية بطريق التحكيم إذا اتفق أطراف النزاع على إحالتها إليها، وتبصير التجار والصناع بفرص الاستثمار الجديدة في المجالات التجارية والصناعية عن طريق التنسيق مع الجهات المختصة.
ووفقاً للنظام لا بد أن يكون لكل غرفة جمعية عمومية ومجلس إدارة، وتتألف الجمعية العمومية من جميع المشتركين في الغرفة، وتختص بانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الإدارة، على أن يكون نصفهم من التجار، والنصف الآخر من الصناع في حال توافر العدد الكافي منهم، وذلك إضافة إلى عدة مهام أخرى، من بينها المداولة في تقرير مجلس الإدارة عن نشاط الغرفة ومركزها المالي.
وأما بالنسبة لمجلس الإدارة، فيشكل من عدد لا يقل عن ستة، ولا يزيد على 18 عضواً، ويعين وزير التجارة ثلث الأعضاء، وتختار الجمعية العمومية الباقين عن طريق الانتخاب، على أن يراعى تمثيل التجار والصناع بشكل عادل، كما يجوز لكل من وزير التجارة أن يعين لدى الغرفة مندوبا تكون مهمته مراعاة تنفيذ الأنظمة والقرارات، وله حق حضور اجتماعات الجمعية العمومية ومجلس الإدارة واللجان والاطلاع على المحاضر والدفاتر والحسابات، ولا يكون له صوت معدود في المداولات.
وأتاح النظام لمجلس الإدارة أن يختار في أول اجتماع له الرئيس ونائبين له، على أن تكون مدة عضوية مجلس الإدارة أربع سنوات، ويجوز إعادة تعيين من انتهت مدة عضويتهم لمدة أو لمدد أخرى، وأما إذا خلا محل عضو في المجلس بسبب الوفاة أو الاستقالة أو بفقد شرط من شروط العضوية، حل محله من حاز أكثر الأصوات بعدد الأعضاء المنتخبين، فإذا لم يوجد أو كان المحل الذي خلا لعضو معين، جاز لوزير التجارة تعيين آخر بديلاً عنه، وتكون العضوية في هذه الحالات لنهاية مدة السلف.
ومن المعلوم أن عدد الغرف يصل إلى 25 غرفة، يتبعها 103 فروع، منتشرة في المناطق والمحافظات المختلفة، وبلغ عدد المشتركين حتى نهاية عام 2008 نحو 256.744 مشتركاً بعد أن كان في عام 2004 يقدر بنحو 154.988 مشتركا.
وتتولى وزارة التجارة والصناعة مهمة الإشراف على الغرف ومجلسها، وكذا متابعة أعمالها وإيجاد الحلول لما يصادفها من صعوبات ومعوقات، وتوجيهها لتأدية رسالتها وفق قرار مجلس الوزراء ونظام الغرف الصادر بالمرسوم الملكي بتاريخ 1400/4/30هـ.
يشار إلى أن منظومة الغرف قامت ولا تزال تقوم بدور مهم في تقديم الخدمات للقطاع الخاص، وحققت عدداً من المنجزات في قيادة العمل لهذا القطاع، وتبني مبادراته وتعزيز إسهاماته في تنفيذ برامج التنمية، وهذا الدور يحظى بدعم ومساندة من القيادة الرشيدة التي تقوم بدور فعال في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال دفعها لعجلة القطاع الخاص ومساندته في تفعيل دوره الريادي في عمليات التنمية، وكذلك دعم وتنفيذ السياسات الاقتصادية الموضوعة.