الخميس, 8 مايو 2025 | 10 ذو القَعْدةِ 1446


لا تذرف دموعك لأجلي يا بن برنانكي

في ظل التقلبات المالية الراهنة التي سببها إعلان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي في أيار (مايو) الماضي أن البنك سوف يقلل تدريجياً من مشترياته الشهرية من الأصول طويلة الأجل، أدى ذلك لتعالي احتجاجات عالمية: ''سيد برنانكي، يرجى الوضع بعين الاعتبار ظروف اقتصاداتنا (غير الأمريكية) عند تحديد موعد إنهاء العمل بسياسة التيسير الكمي''.
ولن يحدث ذلك. حيث إن قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن سياسات الولايات المتحدة النقدية استناداً إلى الأحوال في أمريكا في المقام الأول. وقد حان الوقت لكي يعي ذلك صناع السياسات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم ويستعدوا له.
في السنوات الأخيرة، أظهر البنك الفيدرالي بالفعل اهتماما أكبر بالأوضاع الاقتصادية في أجزاء أخرى من العالم. ففي خريف عام 1998، فضل رئيس البنك آلان جرينسبان آنذاك تخفيض أسعار الفائدة جزئياً بسبب أزمة الأسواق الناشئة في آسيا وروسيا. وكانت هذه الجهود كفيلة بوضع صورة جرينسبان على غلاف مجلة ''التايم'' باعتباره واحداً ممن أطلق عليهم ''لجنة إنقاذ العالم''.
وفي وقت لاحق، قام المجلس بالتوسع في تقديم الائتمان ـــ الذي عُرِف باسم ''خطوط المبادلة'' - لعدد مختار من الأسواق الناشئة، والأكثر أهمية، للبنك المركزي الأوروبي. وكانت المشكلة في منطقة اليورو منذ عام 2007 وحتى الآن أن بعض أكبر مصارف أوروبا اقترضت بالدولار الأمريكي على نطاق واسع، وعندما أصبحت شروط الائتمان مُحكَمة، لم يعد بوسع تلك المصارف الحصول على الدولارات اللازمة لمواصلة تمويل عملياتها. ودون أدنى شك، ساعد بنك الاحتياطي الفيدرالي النظام المصرفي الأوروبي إلى حد كبير لإبقائه واقفا على قدميه.
ولكن هذا ليس كمثل وضع سياسة نقدية قائمة على الظروف الاقتصادية خارج الولايات المتحدة. فبموجب القانون، يُعَد بنك الاحتياطي الفيدرالي مسؤولاً عن الإبقاء على معدلات البطالة والتضخم في الولايات المتحدة عند مستويات منخفضة. ومن المؤكد أن صانعي القرار المعنيين ــــ أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ــــ يتمتعون ببعض الحرية في تفسير ما يعنيه ذلك بالضبط. فعلى سبيل المثال، تغيرت بمرور الزمن وجهات نظرهم حول ما يُعَد معدل بطالة معقولا. وعلى خلاف ما يجري اليوم، فلم يكن تركيزهم منصباً دائماً على تحقيق نسبة الـ 2 في المائة كهدف معقول للتضخم.
وبالطبع تعي لجنة السوق المفتوحة تماماً الدور المحوري للدولار في الاقتصاد العالمي. وتعود جذور هذا الدور إلى أمد بعيد، ولكن في مؤتمر بريتون وودز عام 1944 كان من بين المبادئ المهمة في السياسة الأمريكية ضرورة تشجيع الدول على الاحتفاظ بجزء من احتياطياتها النقدية بالدولار الأمريكي. وباعتبارها الدائن الأكبر عقب الحرب العالمية الثانية فقد كان للولايات المتحدة ما أرادت. وعندما انهار نظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة في بداية السبعينيات، تصور البعض أن أهمية الدولار كعملة احتياطية دولية ستنحسر.
وكان ذلك بعيداً كل البعد عن الحقيقة. فقبل عام 1971، كانت البنوك المركزية تحتفظ بالدولارات لاعتقادها آنذاك بأن العملة الورقية الأمريكية يمكن تحويلها إذ لزم الأمر إلى ذهب ـــ مرتكز النظام. ولكن أسعار الصرف بدأت تتأرجح بشكل غير مسبوق بسبب القرار الذي اتخذه الرئيس ريتشارد نيكسون ــــ تحت ضغوط كبيرة ـ بقطع الصلة بين الدولار والذهب. وبمرور الوقت، تزايد إدراك البنوك المركزية، التي ظلت تبحث عن ملاذ آمن لاحتياطياتها النقدية، أن احتياطياً دولارياً أكبر ''أو سندات الحكومة الأمريكية المقومة بالدولار في هيئة شكل ما من أشكال ديون الخزانة'' هو الحل الأمثل. وإذا ما قارنا حجم الاحتياطي الدولاري الذي يحتفظ به طوعاً اليوم بما كان عليه في عام 1971 فسنجده أكبر كثيرا. ومستثمرو القطاع الخاص أيضاً يعتبرون الدولار الأمريكي ملاذاً آمنا.
وما زالت هيمنة الدولار في التجارة والمعاملات الدولية المالية تحتفظ بقوتها؛ وفي الوقت ذاته، استمر حجم هذه المعاملات في التزايد نسبة إلى الاقتصاد العالمي. وقد أظهرت عملات مثل الين واليورو منافسة من الوزن الثقيل مع الدولار ثم ما لبثت أن تراجعت بسبب الظروف الاقتصادية متزايدة التعقيد في دولها ـــــ ولنتأمل هنا حال الين أو اليورو. والمنافس القادم هو الرنمينبي الصيني؛ ولكن من منا قد يراهن على الاستقرار المالي والاقتصادي في الصين على مدى العقدين المقبلين؟
في نهاية المطاف، يتلخص الوعد الأمريكي في قدرة المستثمر على أخذ أمواله والعودة بها إلى الوطن. أو بوسعه أن يذهب للتسوق في الولايات المتحدة ـــ فيشتري ما يشاء طالما أنه قانوني. إن القدرة على تحويل المال إلى سلع بالأسعار السائدة تشكل أهمية بالغة لأي عملة احتياطية، ولهذا السبب فمن غير المحتمل أن يحل أي شكل آخر من أشكال النقود، مثل حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي، محل الدولار الأمريكي.
لقد فاجأ البنك الفيدرالي الأسواق الأسبوع الماضي بقرار الإبقاء على سياسة التيسير الكمي. غير أن هذا يؤكد على نقطة أكثر أهمية بالنسبة للاقتصادات غير الأمريكية: لن تعلم أبداً متى سيشدد البنك الفيدرالي سياسته. فلتعد العُدة.

خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي