شماعة المشروع التغريبي
من المصطلحات التي يتداولها الخطاب المتشدد بشكل شبه يومي مصحوبة بالتأفف والتأويل والسلبية لفرض الرأي الواحد: ''الاختلاط''، و''عمل المرأة''، و''العولمة''، وأخيرا ''الحوض والمبيض''، وغيرها من التحليلات الأفلاطونية التي تفصل بيننا وبين ''الآخر'' ونعلقها على شماعة التغريب والليبرالية.
لا يخفى على أحد أن هذه المصطلحات بعيدة عن الحيادية والموضوعية، بل ربما تؤثر سلبياً في الرأي العام داخلياً وخارجياً، لما تحتويه من لغو ولغط وتشويش وبلبلة فكرية.
في اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، تمت الموافقة على إعطاء ''المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية'' المرونة المالية والإدارية للاستفادة من الخبرات الدولية. فهل هو مشروع تغريبي أن نستفيد من هذه الخبرات الأجنبية؟
صحيفة ''الاقتصادية'' نشرت خبراً عن توجه مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم للاستعانة بشركة أوروبية لدراسة جدوى استخدام مكائن البيع الذاتي في 33 ألف مدرسة في التعليم العام. هل سيخل هذا التعاون مع الشركات الأوروبية بتقاليدنا وثقافتنا العربية؟
في مجال تطوير موردنا الوحيد ''البترول''، وقعنا عقوداً مع شركات صناعية أمريكية، وفرنسية، ويابانية، وكورية، وإيطالية، فهل يعقل أننا لم نتبادل مع هذه الدول الخبرات الإيجابية؟
عندما زار وزير العدل السعودي أكبر محكمة للتجارة في العالم في ''أولد بيلي'' في بريطانيا العام الماضي، ناقش الوفد السعودي مع جهابذة السلطة القضائية البريطانية استقلالية القضاء، والأخلاقيات القضائية، والنظام القضائي البريطاني، وإدارة حقوق الإنسان، والتقاضي، وكيفية تسوية المنازعات التجارية والدولية. هل هذا التعاون يندرج تحت بند ''المشروعات الليبرالية''؟
ألا يوجد لدينا أكثر من 200 ألف مبتعث ومبتعثة في معظم الدول الغربية ينهلون من علوم الهندسة والطب وتقنية المعلومات والاقتصاد واللغات والثقافات الأجنبية؟
السعودية أسست مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بمن فيهم القس والحاخام والبطريرك والهندوس لتأسيس منظومة الحوار الإيجابي بين الأديان المختلفة. هذا دليل واضح على أن ديننا الحنيف ليس هشاً ليتأثر بالمعتقدات الأخرى الثقافية أو الدينية.
على أراضينا أكثر من 200 سفارة ومنظمة أجنبية، كما أن لدينا سفارات وقنصليات في أكثر من 120 بلدا في العالم من أستراليا إلى كندا، فهل من المعقول أن هذا التبادل الدبلوماسي والثقافي لن تنتج عنه استفادة جميع الأطراف في النواحي العلمية والاجتماعية والفكرية؟
عندما وقعت السعودية في عام واحد (1431هـ) أكثر من 170 اتفاقية ثنائية وإقليمية واتفاقيات ومعاهدات دولية، هل تخلينا بذلك عن هويتنا الإسلامية؟
في مجال التجارة، نستورد ''للأسف'' من إبرة الخياطة مروراً بالسيارة ودعامات الجموس ذات الدفع الرباعي المطارِد من معظم دول العالم. أليس هذا مواكبة للتطوير وليس كما يقول البعض من باب ''انسلاخ الهوية''؟
طالما أننا نتحدث عن استيراد السيارة، لعلي أذكركم بأغنية عبادي الجوهر:
يا غـزال.. يا غـزال.. فينـو
اللي سـافـر يا غـزال.. فينـو
* عضو جمعية الاقتصاد السعودية