دروس من الحج .. التنظيم والإدارة والتطوير

الحج الركن الخامس من أركان الإسلام أوضح الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ السلوك والتعامل فيه بقوله ''الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله''، كما أبان الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ وجوب الحج واشترط الاستطاعة لقوله: ''ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا''، من هذا التوجيه الإلهي والكثير من الأحاديث النبوية، وما جاء في المذاهب الإسلامية نستطيع استنباط الكثير من الأدوات والتوجيهات والإجراءات التي تقود إلى وضع نظام إداري وتطويري يساعد بعد توفيق الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ على تحقيق حج آمن يضمن للحجاج أداء فريضتهم بكل يسر وسهولة وطمأنينة خالية من الازدحام وصعوبة أداء الشعائر والتنقل بين المشاعر.
لقد كان للرؤية التي دعا إليها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة حول أهمية فرض وتعزيز مفهوم الضيافة الإسلامية التي تليق بخدمة ضيوف الله ـــ سبحانه وتعالى ــــ ممن يقدمون لأداء الحج والعمرة، وعلى وجه الخصوص حجاج بيت الله؛ لأن أغلب من يقدم منهم للمملكة العربية السعودية تكون فرصته الوحيدة بعد عمر طويل من الانتظار وتوفير المال لهذه الرحلة المباركة، التي توجب علينا كمضيفين لهم حسن الاستقبال والضيافة وتحقيق الراحة والأمان والطمأنينة لهم، من هذا التوجيه، وفي ضوء استراتيجية منطقة مكة المكرمة التي بنيت على محورين هما بناء الإنسان وتنمية المكان مع تعزيز ذلك بتنفيذ وتطوير وأحداث الأنظمة المعززة لتحقيق البناء والتنمية، ومن هذين المحورين تم وضع عدد من المرتكزات لهما، من أهمها أن تكون الكعبة هي المنطلق للبناء والتنمية، وأن يكون إنسان مكة المكرمة هو الأداة التي تنفذ ذلك من خلال تأهيله وتدريبه وتعزيز مفهوم الضيافة الإسلامية في سلوكه وتعامله مع ضيوف بيت الله الحرام.
إن رحلة تطوير إدارة وتنظيم أعمال الحج تطلبت منذ البداية تلمس كل الظواهر السلبية التي تصاحب أعمال الحج أو تكون ذات تأثير سلبي في تلك الأعمال، ومنها على سبيل المثال:
1 - ارتفاع استخدام المركبات الصغيرة التي تقل حمولتها عن 25 راكبا وما تسببه من مضايقة لحركة الحجاج داخل المشاعر وما تسببه أيضا من تلوث في الجو وحجزها مساحات شاسعة من المواقع المخصصة لمخيمات الحجاج، كما أنها تعتبر قنابل موقوتة ـــ لا سمح الله ـــ في حالة نشوب حريق لأن أغلب ملاكها يقومون بإيقافها قريبا من مخيماتهم، ولهذا كان القرار هو استبدال تلك المركبات الصغيرة بالحافلات التي تزيد سعتها المقعدية على 25 راكبا، وبذلك تم التخلص من أكثر من 500 ألف مركبة صغيرة وتمت الاستفادة من المساحات التي كانت تشغلها في الطاقة الاستيعابية للحجاج.
2 - وجود العديد من المواقع لبعض الجهات الحكومية العاملة في الحج، التي لا تتطلب الضرورة وجودها ضمن المشاعر، ويمكن نقلها إلى مواقع ضمن حمى المشاعر، وتم تنفيذ ذلك من خلال نقل كل تلك الجهات ضمن مشروع متكامل للإدارات الحكومية في حمى المشاعر بمشعر مزدلفة، وهذا الإجراء أدى إلى توفير مواقع لأكثر من 200 ألف حاج ضمن مشعر منى، وما زال العمل جاريا لاستكمال نقل بقية الجهات الأخرى، وهذا سيزيد من الطاقة الاستيعابية لمشعر منى ـــ إن شاء الله ـــ في القادم من الأعوام.
3 - مشكلة ارتفاع أعداد الحجاج الذين لا يتم توفير مساكن ونقل لهم وهم على فئتين:
أ‌ - الحجاج الذين يتم إيهامهم بوجود حملات حج لهم من خلال بعض ضعاف النفوس، وهي ما تسمى حملات الحج الوهمية، وتم هذا العام إلقاء القبض على أكثر من 118 حملة حج وهمية، وسبق أن صدرت التوجيهات بتجريم مثل هذا الفعل وعدم التهاون مع من يقف خلفه من أصحاب تلك الحملات ومحاكمتهم والتشهير بهم دون مجاملة لأحد منهم وهذا ما يجب عمله هذا العام.
ب ‌- الحجاج غير النظاميين وهم من يقدمون إلى الحج بدون الحصول على تصاريح الحج وخلال حج عام 1433هـ زاد عددهم على مليون ونصف مليون حاج، كاد هذا العدد أن يتسبب في حدوث العديد من الوفيات للحجاج بسبب ما أحدثوا من اختناقات في العديد من المواقع في المشاعر وقطار المشاعر والطواف، وبناء عليه صدرت التوجيهات بتطبيق العقوبات على من يقوم بالحج دون تصريح، لأن هذه الفئة من الحجاج لا تتوافر لهم وسائل النقل والإسكان والإعاشة ولا يمكن تنظيم تفويجهم يوم التروية والتصعيد والنفرة والرجم والطواف، كما أنهم يكونون سببا في الافتراش والاختناقات على المرافق العامة وما يتركونه من نفايات خلفهم يصعب معالجتها، كل هذه الظواهر وغيرها كثير تم التعامل معها من خلال حملة الحج عبادة وسلوك حضاري، وتهدف الحملة إلى إبراز المضامين الإلهية الرائعة لشعيرة الحج كعبادة وما يتبعها من سلوكيات حضارية، وللحديث بقية نحو تقديم حلول أفضل لحج آمن ـــ بإذن الله ـــ وفق الله الجميع لكل خير وتقبل من الحجيج حجهم وأعادهم لأهلهم وأحبتهم سالمين غانمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي