لماذا غضب السعوديون؟

لنتفق بدايةً أنه ليس من أدبيات الدبلوماسية السعودية ردة الفعل الغاضبة بلا مبرر، أو السياسة الاستعراضية التي لا طائل منها، فهذا ليس ملعب السعوديين وتركوه لغيرهم يُبدع فيه كما يشاء، لذا فُوجئ العالم بالرياض تتخلى عن مقعدها في مجلس الأمن، احتجاجاً على ''استمرار سياسة المعايير المزدوجة'' في التعاطي مع قضايا المنطقة. غضب السعوديين سياسياً لا تراه دائماً، لكنه إن ظهر فهذا يعني أنهم صبروا طويلاً وسعوا لاحتوائه من وراء الستار كثيراً فلم يفلحوا.
السؤال الأكثر تداولاً: لماذا تعتذر عن منصب وأنت مَن سعى له؟ ببساطة لم يكن للسعودية أن تفعل فعلتها وتسجّل سابقةً في تاريخ المجلس وتُوصل صوتها عالياً طالما لم تترشح لمقعد مجلس الأمن أصلاً ثم تفوز به، صحيح هناك مَن يختلف في تقدير ردة الفعل، وهل إذا ما كان الأصح هو استغلال المقعد وإيصال رسالتك من خلاله، أو الاعتذار عنه، كما فعلت السعودية، إلا أن الأكيد أن الصدى الذي أرادت إيصاله الرياض للعالم لم يكن ليصل لولا خطوتها هذه. فعلاً.. السعودية أعطت المقعد قيمةً بعد أن كان لا قيمة له.
ولعل التفاعل الفرنسي السريع يؤكّد أن ''الإحباط'' من مجلس الأمن ليس موقفاً سعودياً فحسب، وإذا كانت الرياض قد بادرت بتعليق الجرس، فإن باريس كانت واضحةً وهي لا تطالب فقط بإصلاح المجلس، بل ارتفع سقف مطالبها ليصل إلى المحظور لدى الدول الخمس، أي إصلاح نظام الفيتو باعتباره العقدة الرئيسة لتحكّم دولة واحدة في مصير العالم بأكمله. غنيٌّ عن القول إن دخول باريس على الخط أعطى زخماً للتوجّه السعودي بإصلاح مجلس الأمن، وزاد من تفهم العالم موقفها، أما ''الاندهاش'' الروسي فمفهوم جيداً، و''حيرته'' أمام ما وصفه باتهامات الرياض لمجلس الأمن لا تنطلي على أحد، فموسكو تعي أنها قوة عالمية بورقة الفيتو التي تحملها في جيبها، ومن دونها ستترنح سياسياً ودبلوماسياً وحتى شعبياً.
ربما غفل الكثيرون أن الدبلوماسية السعودية، حتى وهي غاضبة، لا تفضل لغة الكلام كثيراً، وتستبدلها بلغة الفعل، وإذا ما فُوجئنا جميعاً بالقرار السعودي، فلا بد أن نتذكّر كذلك موقف خادم الحرمين الشريفين، عندما قالها بصراحة، في الكلمة التي ألقاها نيابةً عنه ولي العهد في القمة الإسلامية في القاهرة في شباط (فبراير) الماضي: ''سندير ظهورنا لمجلس الأمن إذا فشل''، وقبلها قال الأمير سعود الفيصل، إبّان حرب غزة وفي مجلس الأمن نفسه: ''ستدير السعودية ظهرها للمجلس إذا عجز عن حل قضايانا''، ولا أظن أن اثنين يختلفان على فشل مجلس الأمن في حل قضايا المنطقة، فالسعودية رمت حجراً لتحريك مياه مجلس الأمن الراكدة. قد تعود السعودية عن قرارها أو تتمسّك به.. مَن يدري، المهم أن رسالة الاحتجاج السعودية وصلت إلى واشنطن وموسكو على وجه الخصوص، والأهم أن لدى السعوديين الكثير من الأوراق التي يمكن أن يلعبوا بها عندما تتعقد المسائل دبلوماسياً.. ونحن في الانتظار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي