شركة لإدارة الموانئ .. لا مؤسسة ولا هيئة
لا يعقل هذا التدهور الإداري الذي نعانيه في بعض مؤسساتنا الوطنية!
لماذا تتحول كل ''مشكلة'' عندنا إلى ''أزمة'' نعجز عن حلها، ونصاب بحالة من الشلل، تجعلنا ننتظر سنوات لمعالجتها؟ وإذا قررنا حلها، شكلنا ''لجانا'' تنبثق منها لجان ''فرعية''، ومنها تتبرعم إلى ''لجينات''، فننشغل كالعادة بتشكيل اللجان وتسمية الأعضاء وصرف المكافآت لهم، حتى ننسى أصلا لماذا شكلنا هذه اللجان؟!
لا أدري لماذا نعاني هذا الكم الهائل من المشكلات؟ أو ربما الأجدر أن نتساءل، لماذا، كل مشكلة تُترك وتتفاقم لتبلغ مرحلة الأزمة؟ هل هذا بسبب غياب الرقابة؟ أم بسبب غياب كفاءة المسؤول الذي يدير المؤسسة؟ أم البيروقراطية؟ أم الفساد؟ أم ماذا؟ هل السبب فشلنا في إدارة البشر أم إدارة المشروعات أم إدارة الأزمات؟
رغم أننا نقضي سنوات نتجادل حول ''أزمة'' معروفة حلولها، وواضحة وضوح الشمس، إلا أننا نلاحظ أن مثل تلك ''الأزمة'' عندنا لا تعد ''أزمة'' في مقاييس ''جيراننا الخليجيين'' الذين سرعان ما يعالجونها وهي في مهدها، وتكون حلولهم: قرار صائب يتخذ سريعا، وآليات لتنفيذ القرار واضحة من حيث مسؤوليات جهات التطبيق.. لا لجان رئيسية ولا فرعية!
منذ فترة، أتابع بصمت ما تشهده الموانئ السعودية من أزمة تكدس بضائع وفوضى وتأخير أضرّت بحركة التصدير والاستيراد، وتضرر منها المستثمرون لدينا، ولا أخفيكم أن الكيل قد طفح الآن تجاه هذه الأزمة، وتجاه المؤسسة التي يفترض أن تعالجها، وهي ''المؤسسة العامة للموانئ''، التي تحتاج إلى فحص شامل من جميع الجوانب.
المؤسسة العامة للموانئ - التي أسست عام 1976 - تتولى الإشراف على إدارة وتشغيل موانئنا التسعة الموزعة بين الساحل الشرقي (4 موانئ) والساحل الغربي (5 موانئ).
وفي مارس 1997، صدر الأمر السامي الكريم بإسناد جميع أعمال تشغيل وصيانة وإدارة الأرصفة والمعدات التابعة للموانئ السعودية إلى القطاع الخاص، وفقا للاعتبارات التالية:
استمرار ملكية الدولة للموانئ والمنشآت وبقاء دورها الإشرافي.
إعطاء حوافز للقطاع الخاص للاستثمار في المعدات والتجهيزات.
إدارة العمل بأسلوب تجاري يوفر المزيد من الخدمات بكفاية عالية.
وطيلة 16 عاما الماضية، طرحت المؤسسة جميع أعمال إدارة وتشغيل أرصفة الموانئ لإدارتها بواسطة القطاع الخاص بعقود تأجير طويلة الأمد، لكن ذلك لم يشفع في زوال أزمة ''تكدس البضائع''!
وهذا ما حدا بمجلس الشورى إلى أن ينتقد الأسبوع الماضي أداء ''الموانئ'' السعودية مطالبا تحديد الجهة المسؤولة عن تأخير فسح البضائع، وما يترتب على ذلك من خسائر يتكبدها المستثمرون، مما دفع أحد أعضاء المجلس إلى أن يقول إن ''ميناء دبي'' وحده يستقطب حاويات أكثر مما تستقبله الموانئ الشرقية للسعودية مجتمعة، مضيفا أن دول الخليج تصدر البضائع للسعودية ويفترض أن يحدث عكس ذلك.
وطالب عضو آخر في المجلس بالبحث عن النموذج الذي تعمل به الموانئ المنافسة ورفعه إلى الجهات المختصة لإقراره، مؤكدا أن المشكلات ذاتها التي تعانيها ''الموانئ'' تعانيها ''المطارات''، وتتمثل في تعدد الجهات والمركزية والروتين وبطء الإجراءات، مما يكبد التجار خسائر تظهر في تلف البضائع ودفع رسوم الأرضية.
علما بأن ''هيئة الخبراء'' التابعة لمجلس الوزراء السعودي بالتنسيق مع ''مجلس الغرف السعودية'' سبق أن درست أسباب الأوضاع المتردية في الموانئ التسعة (خاصة ميناءي جدة والدمام)، وكانت بعض الأسباب تشير إلى تداخل الاختصاصات بين أربع جهات حكومية هي الموانئ، والجمارك، والمختبرات، والسكة الحديد.
وفي الجلسة ذاتها، دعت اللجنة المعنية في مجلس الشورى- في معرض انتقاداتها للموانئ- إلى توحيد مرجعية جميع الموانئ في البلد إلى ''المؤسسة العامة للموانئ''، وتحويلها إلى هيئة عامة ذات استقلال مالي وإداري وتعمل على أسس تجارية مع العلم بأن هذا المقترح (التحول إلى هيئة) كان ينادي به المجلس منذ عام 2004م!
ورغم أنني لم أستوعب مقترح ''الشورى'' من إمكانية تحول ''المؤسسة العامة للموانئ'' إلى هيئة ''حكومية'' تعمل على أسس ''تجارية'' (حكومي وتجاري.. نصف خصخصة؟)، إلا أنني متيقن من أن هذه المؤسسة ''المتهالكة'' ذات العقود الأربعة تحتاج إلى غربلة أو إعادة هيكلة كاملة، على أن تتم إعادة هيكلتها ليس على شكل ''هيئة حكومية''، وإنما يتم خصخصتها بالكامل، وتحويلها إلى ''شركة'' مملوكة للحكومة تتمتع فعليا بالمرونة الإدارية والمالية، وقادرة على استقطاب الكفاءات الوطنية، ويكون لها امتياز وسيادة مطلقة على جميع موانئنا دون تدخل من الجهات الأخرى، كما هو الحال مع شركة ''أرامكو'' التي لا ينازعها أحد في إدارة وتشغيل حقول النفط وآباره.