«يوتيوب» يقتحم عالم التعليم بآلاف الدروس المجانية
لا يبدو اسم ''جيمس أنجفيد'' مألوفا على الإطلاق رغم أنه حظي على مدى خمس سنوات بمشاهدة 16 مليون شخص حول العالم، تابعوه وهو يشرح اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها.
وجيمس أنجفيد نسبة إلى موقع Engvid.com المتخصص في تدريس اللغة الإنجليزية عبر «يوتيوب» والذي يضم سبعة أشخاص آخرين يقومون بالمهمة نفسها، ليس إلا مثالا واحد من آلاف المدرسين الذين حولوا «يوتيوب» بجهودهم الشخصية إلى أشهر مدرس خصوصي في العالم.
ورغم أن جيمس ليس نجما عالميا، لكنه مشهور بشكل واسع بين أوساط دارسي اللغة الإنجليزية ويعد مرجعا في فنه، ويمكن الاستنتاج من التعليقات على شروحه أنه متابع في دول كثيرة من أبرزها السعودية.
ويبث مدرسون عرب وأجانب متطوعون دروسا في اللغة الإنجليزية والرياضيات والكيمياء وغيرها من مختلف المواد، جاذبين بهذا طلابا من مختلف أنحاء العالم، فيما أظهرت آراء أكاديميين وطلبة أن «يوتيوب» ساهم في تحويل السلوك الدراسي للطلاب الذين فضلوا مجانيته على الدروس المدفوعة، التي تأثرت بتغير الواقع التعليمي كتنوع مصادر التعلم وسهولة الوصول إليها.
ويقول صالح الغامدي وهو طالب جامعي: اعتزلت الدروس الخصوصية بعد ما اكتشفت أن أغلب ما يستعصي علي في المنهج الدراسي مطروح بالصوت والصورة على شبكة الإنترنت. وأضاف الغامدي: في بعض الأحيان قد تجد 20 شرحا لمسألة رياضية واحدة، أصوات ولغات مختلفة، وأساليب أيضا مختلفة، ما عليك إلا أن تختار ما يناسبك.
وصادق على هذا عبد الكريم العنزي وهو طالب جامعي أيضا، حيث قال: يميّز التعلم عبر الإنترنت سواء كان عبر المواقع أو عبر «يوتيوب» أن دروسه جاهزة في أي وقت، تخضع لرغبات الطالب ووقت فراغه.
ويضيف: أجمع بين التعلم الذاتي والدراسة المنتظمة، في الجامعة استمع مع 20 طالبا معي إلى شرح مدرس واحد يحاول جهده لتقسيم وقته بيننا، ولا يخفى على أحد أنه من الصعوبة على شخص واحد الاستئثار بالوقت على حساب المجموعة، لذا أعوض ما يفوتني من دروس في المنزل عبر «يوتيوب».
وأكد العنزي: في البداية كان التعلم الذاتي عن بعد خجولا، يعيبه أنه ذاتي خاضع لمزاج الطالب، كما أنه عن بعد لا تحكمه إلزامية الزمان والمكان التي توفرهما الجامعة، لكني اكتشفت بعد فترة أنني لست الوحيد بين زملائي، وأننا نتبادل أسماء معلمينا عبر الإنترنت، أنا أتابع ''جيمس''، بينما زميلي يتابع روني وهي معلمة كندية يشترك في قناتها عبر «يوتيوب» 270 ألف شخص، وشوهدت مقاطعها التعليمية 32 مليون مرة.
ولا يؤمن الجميع بهذا الطرح حيث يؤكد سالم العلي وهو مدرس رياضيات أن كل المواد العلمية المطروحة عبر يوتيوب نتاج جهود شخصية وغير مرتبة على أسس علمية، ولا تحتوي في الغالب على المناهج كاملة، مؤكدا في السياق ذاته أن الوصول لها ليس متيسرا للجميع، فليس كل الطلاب لديه إنترنت دائم وليس كلهم خبيرا في الحاسب بما يكفي للوصول إليها.
#2#
من جهته، رأى محمد جوهر مدرب مهارات الاتصال والمحاضر في جامعة الملك سعود أن التواصل مع الطاقم التدريسي لا يزال يمثل ميزة لا تتوفر في غيره، حيث يزيد هذا التواصل من استيعاب الطالب وتفهمه للمقرر، والطالب الذي لا يتلقى بشكل مباشر من المعلم يقف عند أول عقبة تستشكل عليه، وقيل سابقا: ''من كان شيخه كتابه، غلب خطأه صوابه''.
وواصل جوهر قائلا: أعتقد أن جدية التعلم عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل «يوتيوب» وغيره، تعتمد بشكل أساسي على رغبة المتعلم نفسه، لأن «يوتيوب» لا يحاسب على الحضور والانصراف، وهامش التسويف والمماطلة عبره مفتوح! مؤكدا أن التعلم عبر الشبكة يحتاج إلى إشراف علمي للتحقق من صحة المعلومات وهو أمر متعذر بطبيعة الحال.
ورفع جوهر سقف توقعاته لمستقبل التعلم الذاتي عبر «يوتيوب»، مؤكدا أن استخدام التقنية في التعليم يتيح الفرصة بالدرجة الأولى لأولئك الذين حرموا من التعليم بسبب بعد المسافات أو كثرة الانشغالات.
وقبل نحو عقدين من الزمن دأبت تلفزيونات حكومية كان أبرزها مصر والكويت على تخصيص ساعات بث طويلة لنقل حصص متنوعة في المواد الدراسية غالبا ما كانت توجه لطلاب المرحلة الثانوية. لكنها ضعفت مع الوقت حتى اندثرت تقريبا، باستثناء قنوات النيل التعليمية التي تحاول تجديد نفسها، فيما لا يبدو أن قناة ''عالي'' السعودية تأخذ الجانب التعليمي على محمل الجد.
وعمدت الجامعات السعودية إلى مواكبة الركب والظفر بنصيبها من كعكة الطلاب عبر توفير دروس بالصوت والصورة في مواقعها على الإنترنت، في محاولة مشكورة لكنها ذات طابع فردي صرف، كما أنها تقتصر على مواد معينة في سنوات معينة.
وعبر مخاطبة طالبي التعلم عن بعد، يخدم آلاف المدرسين المتطوعين موقع ''يوتيوب'' بقصد أو بغير قصد، فهم يجذبون إليه الملايين من الطلاب يوميا، ليضيف الموقع عاملا جديدا في معادلته للصعود إلى قمة مواقع الإنترنت العالمية رغم أنه متجمد في المركز الثالث منذ سنوات خلف كل من «جوجل» و«فيسبوك».