رحم الله أبا أحمد .. رحلة عمر من التميُّز

لا يمكن أن يكتب المرء عن الدكتور محمد بن أحمد الرشيد إلا ويجعل - يرحمه الله - خير دعوة له لأنه تعلم وعلم من مفهوم الرحمة الكثير من المعاني والقيم والمبادئ الخالدة في تاريخ وعمر كل من تعامل أو عمل معه ومفهوم الرحمة في شخصية أبو أحمد رحمة تنبع من توجيهات المصطفى - عليه الصلاة والسلام - الذي وصفه الله - سبحانه وتعالى - ووصف رسالته بأنها رحمة للعالمين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" هذه الرحمة التي نشأ عليها منذ ولادته.
لقد كانت رحلة أبو أحمد، وهو اللقب الذي يحبه ويحب أن يكنى به منذ بدايتها رحلة صراع من أجل البقاء الذي تحول مع تقدم العمر وتحسن التعليم إلى رحلة من أجل التطوير والبناء والتغيير من أجل تحقيق التميز في كل مناحي الحياة وإن كانت التربية والتعليم هي همه الأول في الفكر والمنهج وطريقة الأداء وحقق في ذلك الكثير من التغيير الإيجابي، خصوصاً عندما يكون من قياس الأداء وفقاً للتقييم الشخصي للمراقب من قريب.
لقد تحمل قلب أبو أحمد الكبير همة الرجال الكبار في سعيه نحو تطوير وطنه العربي الإسلامي الكبير ووطنه السعودي الغالي ولا أظن أنني التقيت به إلا وخرجت من عنده بطاقة وطنية تنموية إيجابية تغذي العطاء لفترة طويلة، كان دائما ما يكرر أن الإصرار على التطوير سيحدث التغيير والتغيير الإيجابي لا يمكن أن يكون دفعة واحدة وبشكل كامل، لكن بالتدريج والمثابرة والمراجعة والتقويم والإصرار مع عدم إهمال المشاورة وتحري الدقة وكان - رحمه الله - يكرر دائماً أن لنا في المصطفى - عليه الصلاة والسلام - القدوة الحسنة في تحمل أذى الآخرين في سبيل تحقيق رسالته ونشرها في أرجاء العالم.
أبو أحمد - رحمه الله - يبهر من يقابله بقدرته العظيمة على التواضع وحسن التعامل مع مختلف أطياف المجتمع، هذا التواضع تتوقع ألا يكون خلفه ثقافة وفكر وعطاء لأنه - رحمه الله - عندما يبدأ يحدثك عن رؤيته لا تملك إلا أن تتعلم وتثابر على حسن الاستماع والإصغاء لفكره وطرحه وتتوقع أنه يقرأ من كتاب ولا يتكلم من صدره كما نقول في أمثالنا الشعبية وعندما لا يعرف عمق الموضوع فإنه يوضح لمن معه أنه لا يعرف شيء عن مثل هذا الطرح المتعمق ومثال ذلك عندما كلف بمسؤولية وزارة التربية و التعليم (المعارف سابقاً) كان من ضمن مسؤولياته المحافظة وحماية وتطوير المواقع التاريخية والتراثية والأثرية، وكان - رحمه الله - برئاسته اللجنة العليا للآثار والمتاحف يترك الأمر لأصحاب الشأن من أعضاء المجلس في طرح رؤيتهم ويستمع للجميع بكل حرص ومع أنه كان يكرر دائماً أن هذا الأمر ليس من صلب عمل الوزارة إلا أنه لم يهمله بل حرص على البحث عن أفضل الكفاءات السعودية في هذا المجال وحمله مسؤولية تطويره وتحقيق التغيير الإيجابي وذلك الرجل المميز هو الأخ الدكتور سعد الراشد - وفقه الله - وكان الدكتور محمد بن أحمد الرشيد لا يتردد من تكرار أن يعلمنا وأستاذنا في هذا الشأن هو الدكتور سعد الراشد.
لقد تعلمت من أخينا وحبيبنا الدكتور محمد بن أحمد الرشيد - رحمه الله - الكثير من الدروس في مختلف مناحي الحياة بشكل مباشر وغير مباشر وكان على قمة تلك الدروس المستفادة الفرق بين العادات والقيم والمبادئ التي جعلت الطريق أمامي بعد ذلك قليل المطبات الأرضية والجوية لأن استيعاب هذه الفروقات يساعد على رسم الرؤية الشخصية لحياة أفضل في العطاء والتميز بجميع أبعاده العملية والأسرية والاجتماعية والصحية وكيفية التواصل مع الجميع وفقاً لتلك المعارف التي تفرق بين العادات والقيم والمبادئ.
رحمك الله يا أبا أحمد فقد كنت حريصا على أن أراك في كل فرصه تتاح لي أثناء زيارة الرياض، وآسف أنني كنت كسولا في استغلال تلك الفرص للقائك والحمد لله على قضائه وقدره، لأنني لم أتوقع أن أفقدك بمثل هذه السرعة ولكن ستبقى بروحك المعطاءة وفكرك النير ودينك المتميز ووطنيتك العالية والمتعمقة في المفهوم والممارسة مدرسة نتعلم منها إلى ما يشاء الله.
وأستأذن معاليكم في أن أقول لأخي ابنكم أحمد بن محمد الرشيد وإخوانه وأخواته أنك تركت لهم ثروة عظيمه يجب عليهم استثمارها واستغلالها والاستفادة منها لأنها من الثروات التي لا يمكن قياسها بالمال ولكن بحسن التعلم والتأدب وهذا يجعل المسؤولية عليها أعظم في توثيقها ونشرها حتى يشمل خيرها الجميع تصديقاً لقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وأسأل الله ألا يحرم معاليه من هذه الأعمال وغيرها وأن يغفر له ويصبر أم أحمد وأبناءه وبناته ومحبيه ويلهمهم الصبر والسلوان ويجمعنا به مع النبيين والشهداء والصالحين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقفة تأمل

«بعض الوجيه تشوفها كل ليلة
لا شوق لا موعد ولكنها أقدار
وبعض الوجيه تغيب غيبة طويلة
لكن لها في القلب حشمة ومقدار»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي