الخليجيون أمام تحدي التوظيف في قطاع البتروكيماويات
هل يمكن أن تدخل يوما ما حارة ''السقايين'' فتجدها خاوية من الماء أو من السقايين؟
سؤال مغلف بهاجس كان يساورني عند متابعة فعاليات المنتدى السنوي الثامن للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات (GPCA) في دبي الشهر الماضي (نوفمبر)، إذ فوجئت بأن عدد العاملين في قطاع البتروكيماويات على مستوى الخليج العربي يبلغ 80 ألف عامل فقط، 44 في المائة منهم مواطنون، والباقي (56 في المائة) أجانب حسب إحصائيات عام 2011.
كنت أتوقع أولا أن عدد العاملين في هذا القطاع المهم للعالم لا يقل عن 200 ألف عامل، وكنت أتوقع أيضا أن نسبة المواطنين العاملين في القطاع تصل إلى 75 في المائة على أقل تقدير، لكن توقعاتي تبددت مع المعلومات المؤكدة التي طرحت في المنتدى، فدقت بذلك ناقوس الخطر تحسبا من التحديات المقبلة التي تهدد هذا القطاع الحيوي من الاقتصاد الخليجي.
ففي الوقت الراهن، تعد السعودية أكبر دولة خليجية من حيث عدد العاملين في قطاع البتروكيماويات، حيث تضم 58 ألف موظف، وتبلغ نسبة التوطين 52 في المائة، وهي أعلى بنسبة 24 في المائة من نسبة التوطين في قطاع التصنيع، علما بأن التوظيف في قطاع البتروكيماويات في السعودية عام 2011، قد ارتفع بنسبة 21 في المائة، وهي الأعلى من بين دول الخليج.
وخلال افتتاح المنتدى، أكد مساعد وزير البترول والثروة المعدنية السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في كلمته، أن مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 8.9 في المائة على مستوى الخليج العربي، تساهم صناعة الكيماويات بنحو 1.5 في المائة فقط منها، ويعمل فيها نحو 80 ألف عامل، يشكلون ما نسبته 6 في المائة من إجمالي القوة العاملة في الصناعة التحويلية في دول المجلس.
وعقد مساعد وزير البترول السعودي مقارنة بين وضع صناعة الكيماويات في الدول الخليجية ووضعها في الاتحاد الأوروبي الذي وظفت فيه شركات الكيماويات 1.19 مليون موظف حتى عام 2011م، موضحا أن هذه الشركات أوجدت ضعف هذا العدد من فرص العمل غير المباشرة في مجال خدماتها ومنتجاتها المساندة.
أما التحديات التي تواجه صناعة البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي، فقد حصرها مساعد وزير البترول السعودي في أربعة تحديات رئيسة، آخرها مرتبط بالتوظيف:
- المنافسة المحتدمة في قطاع البتروكيماويات العالمي.
- ارتفاع موجة الحمائية والحواجز التجارية بصورة متعاظمة في كثير من أنحاء العالم، بهدف حماية الصناعة المحلية أمام المنافسة العالمية.
- صغر حجم أسواق منتجات البتروكيماويات المحلية والإقليمية.
- محدودية مساهمة صناعة البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي في تنويع اقتصاداتها المحلية، وتوسيع نطاق التوظيف لآلاف الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنويا.
ولم يتوقف مساعد وزير البترول السعودي عند طرح التحديات، بل إنه طرح معها جملة من الحلول المقترحة، كان أهمها زيادة جهود الدول الخليجية في مجال الابتكار، ولا سيما إذا علمنا أن صناعة البتروكيماويات الأساسية (الأسمدة والبولميرات) تسيطر على 80 في المائة من طاقة البتروكيماويات في دول الخليج العربي، في حين لا تتجاوز نسبة المنتجات المتخصصة 0.5 في المائة من إجمالي طاقة تلك الصناعة.
إن النفط هو عماد الصناعة في هذا الزمن، ونحن إذا كنا نصدر النفط ومشتقاته ومنتجاته، فإننا نستورده في صورة منتجات أخرى نستهلكها بدلا من أن نصنعها، كما أن تعرُّض قطاعي النفط والبتروكيماويات في دول الخليج إلى تحديات، يعرِّض الاقتصادات الخليجية إلى هزة لا تمس المداخيل الوطنية فحسب، بل تمس مستقبل المواطنين العاملين في القطاعين.
لذلك، نحتاج إلى زيادة مستوى التطوير والأبحاث، ورفع وتيرة الابتكار عندنا، خاصة في ظل التحديات الأربعة التي يشهدها قطاع البتروكيماويات من جهة، ويشهدها قطاع النفط مع تصاعد النفط الصخري إلى المشهد من جهة أخرى، ألم يصرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن بلاده في عام 2017 ستتجاوز السعودية وتصبح أكبر منتج للنفط بسبب النفط الصخري؟
لا يكفي أن نشغل أنفسنا، ونستهلك طاقتنا ومواردنا لإنتاج النفط وتصنيع منتجاته، بل علينا أن ننشغل بإنتاج ''المعرفة'' المرتبطة بالنفط، فنحن رغم تصدرنا في إنتاج النفط، إلا أننا ما زلنا في مرحلة غير مرضية في إنتاج المعرفة ''النفطية'' والابتكار المرتبط بها.
مثلا، هل يعقل أن بلدنا لا يحتوي إلا على جامعة واحدة تعنى بالبترول (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن) من أصل 25 جامعة حكومية، معظمها يدرس تخصصات نظرية لا يحتاج إليها سوق العمل؟ ألا يمكن تحويل جامعة أو جامعتين إلى جامعات متخصصة في دراسة النفط أو البتروكيماويات؟
في المقابل، بادرت شركات نفط وبتروكيماويات إلى تأسيس إدارات بل مراكز للدراسات والبحوث، كما هو الحال حين أنشئت شركة ''أرامكو'' مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)، إضافة إلى ستة مراكز للتقنية والابتكار تتبع لشركة ''سابك''.
إن توفير فرص التعليم والتدريب المرتبطة بالمعرفة ''النفطية'' مع تكثيف الجهود الحكومية والخاصة في مجال التطوير والأبحاث في ذلك النوع من المعرفة، سيسهم في توسيع قاعدة هذا القطاع على مستوى الخليج، وفتح أسواق جديدة له، وبالتالي يستوعب المزيد من الشباب والفتيات، الأمر الذي يجعل الماء لا ينضب من ''حارتنا''، ويجعل ''السقايين'' أكثر عددا وأكثر احترافية!