الدولة وما بعد التصحيح (2 من 2)
أشرت في مقال ''الدولة وما بعد التصحيح (1 من 2)'' إلى أهم الخطوات التي اتخذت لمعالجة وضع المقيمين في المملكة بشكل غير منظم أو غير نظامي، وذكرت من ذلك منع تخلف الحجاج والمعتمرين والزوار وكذلك البدء بتصحيح وضع الجاليات التي سبق أن دخلت المملكة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو أمنية وغيرها، وذكرت من ذلك على سبيل المثال الجالية البرماوية التي كانت تشير التوقعات إلى أنها تتجاوز 650 ألف شخص وأثبتت الإجراءات التي اتخذت وانتهت مع بداية شهر المحرم أنها لم تتجاوز 250 ألف فرد، وهذا التصحيح وغيره يصب في معالجة وإنجاح الحملة التي تقوم بها الحكومة اليوم الممثلة في وزارتي الداخلية والعمل، وذكرت في المقال السابق بعض الثغرات التي يجب العمل على إغلاقها حتى يحقق التصحيح وما بعده الخير المرجو منه .
لقد ذكرت من ذلك مثلاً:
1- إيقاف التسرب أو التهريب أو التسلل إلى المملكة، خصوصاً من الحدود اليمنية، التي تصاحبها، كما ذكرت، جاليات من دول إفريقية وكلهم يدخلون المملكة من دون أي هوية، والمملكة - ولله الحمد - نجحت في إغلاق التسلل منها أو إليها مع دول شمال المملكة وحقق ذلك قفزات أمنية متميزة، وأعلم أن هناك مشروعا متميزا يتم الآن تنفيذه مع حدودنا الجنوبية، وهذا يتطلب تضافر الجهود من قبل الجميع، خصوصاً المواطنين.
2- هناك فئة من المواطنين وبعض المقيمين أحد أهم أسباب تهريب المتسللين للمملكة، وهؤلاء يجب أن يعوا أن هذا التصرف يضر بمصالح الوطن والمواطنين والتساهل مع هؤلاء يزيد – مع الأسف - من تجاوزهم، لهذا فإن الأمر يتطلب تجريم هذا الفعل وتطبيق أقصى العقوبات على المهربين دون أدنى مجاملة لهم أو لمن يعينهم.
3- مع الأسف - هناك شركات كبيرة تتعامل مع المشروعات الحكومية وبمليارات الريالات تقوم على تشغيل هؤلاء المتسللين، وهو ما يعزز استمرار التسلل مهما كلف الأمر، لهذا يجب أيضاً تجريم هذا التصرف من الأفراد والمؤسسات والشركات وعدم التهاون في ذلك مع تعويض توفير الأيدي العاملة من خلال الأيدي العاملة الوطنية والاستقدام المنظم.
4- مرحلة التصحيح أوجدت فرص عمل بالآلاف وفي كل المجالات للسعوديين، وهذا يتطلب سرعة معرفة الفرص والعمل على تحقيق توطين فرص العمل وعدم السماح بأي أعذار لا مبرر لها من الجميع.
5- العمل على توفير الأيدي العاملة غير السعودية، وسبق أن ذكرت في المقال السابق أن توفير هذه الأيدي العاملة سيتم من خلال شركات استقدام، وهذه الشركات يجب مراقبة أدائها وحماية المواطنين والعاملين من أي استغلال لأن المؤشرات الأولية تشير إلى وجود خلل في بعض الممارسات التي تتم وهناك تحايل بدأ يأخذ موقعه ضمن العلاقة التعاقدية بين هذه الشركات والمواطنين، كما أن هناك شركات كبيرة متخصصة ترى أن وجود وسيط للاستقدام بينها وبين العمالة سيزيد من تكلفة الأيدي العاملة، وهذا ينعكس سلباً على زيادة تكاليف الإنتاج والتسويق وترى مثل تلك الشركات إيجاد حلول لها تتفق مع طبيعة عملها وحجم الأيدي العاملة فيها، وخوفهم من أن يؤدي الأمر إلى نشوء سوق أو أسواق سوداء للعمالة تؤثر في الإنتاج والمنتج والمستهلك على أساس أن الاحتكار ربما يؤدي إلى ذلك.
رحلة التصحيح بدأت ويجب أن تستمر وأن تصاحبها رحلة إصلاح وبناء وعمل مؤسسي يؤسس لمرحلة متطورة في هذا المجال بما يحقق الدعم لجميع قطاعات الدولة بكل مكوناتها ومتطلباتها وأن تكون هناك مراكز للتقويم والمتابعة والتطوير حتى نضمن الوصول إلى منظومة مؤسسية متكاملة تحقق تعزيز دور الدولة ووضوح رؤيتها لكل القضايا وندعم الحكومة وبقية قطاعات الدولة في تنفيذ هذه الرؤية وما يرتبط بها من سياسات وأهداف ومشروعات وبرامج وفق نظام محاسبي واضح وشفاف، لأن الخلل المقلق اليوم هو هيمنة سلطة الحكومة على دور وهيبة وحضور الدولة وأصبح الوضع الراهن عبارة عن مسار يعزز فيه من تضخيم سلطة الحكومة وتقزيم دور وأهمية الدولة. ولعلي أتطرق إلى ذلك في مقال قادم حتى تكون الصورة أوضح في العلاقة بين الدولة والحكومة ووضع كل واحد منهما في مساره الصحيح بما يتفق وسياسة المملكة وأنظمتها التأسيسية. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل:
«من بادي الوقت وهذا طبع الأيامي
عذبات الأيام ما تمدي لياليها
حلو الليالي توارى مثل الأحلامي
مخطور عني عجاج الوقت يخفيها
الوقت لو زان لك يا صاح ما دامي
يا سرع ما تعترض دربك بلاويها
حتى وليفك ولو هيم بك هيامي
سيور الأيام تجنح به عواديها»