هذه الهيئة .. نموذج نوعي للتنمية المتوازنة

نظمت الزميلة عكاظ يوم الثلاثاء الموافق العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 2013، لقاء مفتوح مع الأمير سعود بن ثنيان آل سعود، رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع في مقر الهيئة في الرياض، بحضور نخبة مميزة من المهتمين بشأن الصناعة في بلادنا على وجه العموم، وصناعة البتروكيماويات على وجه الخصوص.
اللقاء اتسم بالشفافية والصراحة والوضوح حول الدور التنموي الريادي الذي تقوم به الهيئة في سبيل الارتقاء بالصناعة في المملكة، وبالذات صناعة البتروكيماويات التي أصبحت اليوم تضاهي مثيلاتها على مستوى العالم، وبالذات من حيث الجودة والنوعية والأسعار التنافسية.
أوضح الأمير سعود خلال اللقاء، أن الرؤية الاقتصادية والتنموية الثاقبة للحكومة السعودية التي اتسمت ببعد النظر، مكنت الهيئة من النهوض بصناعة البتروكيماويات في المملكة، منذ أن وضعت الحكومة أولى الخطوات الإيجابية لهذا المشروع الاقتصادي والتنموي العملاق الذي كان حلماً وأصبح واقعاً ملموساً على الأرض، وذلك بتأسيس الهيئة الملكية موقعين استراتيجيين هما مدينتي الجبيل وينبع لقربهما من منابع النفط الخام والغاز الطبيعي، وأهم خطوط الملاحة العالمية وقناة السويس، ليحتضنا أحد أكبر صروح الصناعات البتروكيماوية على مستوى العالم، حيث تحتل اليوم صناعة البتروكيماويات في السعودية المركز الثامن على مستوى العالم، وبحلول عام 2015 يتوقع لها أن تحتل المركز الثالث متقدمة بذلك خمسة مراكز خلال فترة وجيزة من عمر الزمن.
إن اللافت للانتباه أن مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين ليستا مجرد مدينتين صناعيتين فحسب، بل تجاوزتا هذا المفهوم، لتصبحا نموذجاً تنموياً وحضارياً وعصرياً متوازناً يعكس روعة التصاميم الهندسية للمدينتين، حيث تم عند وضع الخطط الهندسية للمدينتين، تقسيم كل مدينة إلى نطاقات صناعية وأخرى سكنية، ووفرت لكل مدينة كل الخدمات اللازمة لأي تجمع بشري كالمدارس والكليات والمستشفيات والمجمعات التجارية والمرافق الترفيهية وأماكن الاستجمام وغيرها من المرافق والخدمات، مما جعل المدينتين مثالا للتخطيط العصري والتنموي يحتذى به على مستوى العالم المتقدم. كما روعي في التصاميم الهندسية للمدينتين التوسعات المستقبلية المتوقعة وهو ما حدث بالفعل عندما وضعت الهيئة الملكية قبل نحو عشر سنوات خطتها لتوسيع قاعدة الصناعات في المدينتين بتجهيز البنية التحتية اللازمة لمشروعي الجبيل 2 وينبع 2، اللذين أصبحا حقيقة على أرض الواقع.
تجدر الإشارة إلى أن قرار الحكومة السعودية بتأسيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع، جاء ضمن أهداف خطة التنمية الثانية بغرض تنويع مصادر الدخل القومي للمملكة وتنويع القاعدة الاقتصادية بإنشاء اقتصاد متنوع يقلل الاعتماد على إيرادات النفط، ومنذ إنشاء الهيئة في عام 1975 ومنحها السلطات الإدارية والتنظيمية الكاملة، بما في ذلك منحها صلاحيات استثنائية تتمثل في تخصيص ميزانية مستقلة لها، تمكنت الهيئة من تحقيق أهدافها التنموية المنشودة وفقاً لرؤيتها التي استندت إلى أن الخيار الأفضل للمستثمرين هو الاستثمار في صناعة البتروكيماويات والصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة باعتبارها المساهم الرئيس في النمو بالمملكة.
هذه الرؤية التنموية الحصيفة والثاقبة للهيئة الملكية للجبيل وينبع، مكنتها من تحقيق عديد من المنجزات التنموية العملاقة في مجال صناعة البتروكيماويات، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل حتى على المستوى الدولي، حيث تمكنت من تطوير وإنشاء عدد من المرافق والتجهيزات لتوفير الخدمات الصناعية واللوجستية اللازمة للمنطقتين الصناعية والسكنية، التي اشتملت على شبكة للتبريد بمياه البحر، وشبكات مياه للشرب والصرف الصحي والصناعي، وشبكات للطرق والاتصالات السلكية واللاسلكية، بما في ذلك مرافق للمنطقة السكنية والخدمات المرتبطة بها.
هذه المنجزات الحضارية وغيرها استلزمت الإنفاق على البنية التحتية والفوقية للمدينتين بمبالغ بلغت قيمتها 128 مليار ريال، لتعود بقيمة توطين للاستثمارات بلغت قيمتها 900 مليار ريال وبعائد على الريال المستثمر بما يعادل نحو 13 ــــ 15 ريالا مباشرا وغير مباشر. كما أصبحت صناعات البتروكيماويات تسهم في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنحو 12 في المائة وتسهم بنحو 65 في المائة في إجمالي قيمة القطاع الصناعي للمملكة. وتمكنت الهيئة من توظيف وتوطين وظائف بأكثر من 200 ألف وظيفة في مختلف التخصصات الصناعية والتقنية المرتبطة بصناعة البتروكيماويات وما يعرف بالصناعات التحويلية Downstream Industries..
خلاصة القول، إن الهيئة الملكية للجبيل وينبع مثال تنموي يحتذى به في مجال التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة ولكن في الوقت نفسه المتوازنة، التي أخذت في الاعتبار المحاور الأساسية للتنمية التي من بينها المحور الاستثماري والتعليمي والخدمي (مرافق وخدمات) والبشري وما شابه ذلك من المحاور التي بالفعل أحدثت تنمية متوازنة في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، وأصبحت الملاذ المعيشي الأخير لقاطنيهما حتى بعد التقاعد الذين تجاوز عددهم 154 ألف نسمة.
ومن هذا المنطلق ونظراً لما تحقق من إنجازات تنموية عملاقة في مدينتي الجبيل وينبع، طالب عدد من الحضور في اللقاء سالف الذكر، باستنساخ تجربة الهيئة وتعميمها على مدن المملكة ومناطقها المختلفة، لتتحقق بذلك في المملكة التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة بمفهومها الواسع والشامل والمتوازن في الوقت نفسه، الذي يكفل الحياة المتكاملة للمواطن أينما كان في مدينة أم قرية أم هجرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي