من أين نبدأ إصلاح التعليم؟
لعل هذا أكثر الأسئلة إلحاحا على وزير التربية والتعليم الجديد الأمير خالد الفيصل، ذلك الوزير الأديب والشاعر المرهف الذي خفف عنا وطأة ''المعاناة''، وارتحلنا معه إلى الليل والخيل والصحراء.
من أين نبدأ إصلاح التعليم؟ من المناهج أم المعلمين أم المباني أم..؟ سؤال كبير سنحاول الإجابة عنه من زاوية إدارية ــــ وليست تربوية ــــ معتمدين على مبدأ ''باريتو''، الذي ينص على أن 80 في المائة من النتائج تعزى إلى 20 في المائة من الأسباب، وبالتالي يمكن إصلاح التعليم عن طريق إصلاح كيان الوزارة المترهل، وذلك على مستويين رئيسين:
المستوى الأول؛ تبسيط الهيكل التنظيمي للوزارة:
تعاني وزارة التربية والتعليم كثرة المستويات الإدارية، حيث يرتبط بالوزير مباشرة كل من ''نائب وزير التربية والتعليم''، و''وكيل التخطيط والتطوير''، إضافة إلى ستة مديرين عامين (المراجعة الداخلية، الشؤون القانونية، الإعلام التربوي، المتابعة، الجودة الشاملة، الأمن والسلامة)، إضافة طبعا إلى مكتب الوزير، والأمانة العامة للجنة الوطنية للطفولة.
أما ''نائب وزير التربية والتعليم''، فيرتبط به كل من نائب وزير التربية والتعليم لشؤون البنين، ونائب وزير التربية والتعليم لشؤون البنات، ووكيل الوزارة للمباني، إضافة إلى مدير عام الشؤون الإدارية والمالية.
ثم نجد أن ''نائب الوزير لشؤون البنين''، يرتبط به وكيل الوزارة للتعليم (بنين)، وهذا الوكيل يرتبط به عشرة مديرين عامين للإدارات التالية (الإشراف التربوي، التدريب التربوي، الموهوبين، تعليم الكبار، التوعية الإسلامية، التربية الخاصة، التعليم الأهلي والأجنبي، نشاط الطلاب، التوجيه والإرشاد، الاختبارات والقبول)، إضافة إلى أن الوكيل يرتبط به أيضا مكتب الوكيل وإدارة المدارس السعودية بالخارج.
وكذلك الأمر نجده مع ''نائب الوزير لشؤون البنات''، الذي يرتبط به وكيل الوزارة للتعليم (بنات)، وهذا لديه ما لدى نظيره لتعليم البنين، أي عشرة مديرين عامين متناظرين، ومعهم مدير عام حادي عشر يتولى شؤون رياض الأطفال!
السؤال الجوهري: من الذي يعمل في الوزارة، إذا كان كل واحد يصدر الأوامر لمن هو تحته؟ ومن الذي ينجز العمل إذا كان جيش ''الوزارة'' يتألف من ''ضباط'' يفوق عددهم عدد ''الجنود''؟!
عندما ننظر إلى الهيكل التنظيمي لوزارة التربية والتعليم، نلاحظ أن المسؤول الذي يرمي عليه الجميع كل مهام العمل، وربما يحمل الوزارة على أكتافه هو ''وكيل الوزارة للشؤون المدرسية'' ــــ أعانه الله! ــــ وهو يرتبط برئيسين في آن معا ''نائب الوزير لشؤون البنين''، و''نائب الوزير لشؤون البنات''، وتحت هذا الوكيل (وهو ''محرك'' الوزارة رغم أنه أقل مسؤوليها ظهورا في الإعلام!) تقبع كل مشكلات الوزارة، حيث يشرف على خمس إدارات عامة يصدر منها الإزعاج اليومي (شؤون المعلمين، التخطيط المدرسي، التجهيزات المدرسية، خدمات الطلاب، الصحة المدرسية).
لماذا كل هذه المستويات الإدارية؟ ولماذا لا يكون هيكل الوزارة أكثر بساطة وأقل طبقية؟ وماذا فعلت حيال هذا الأمر الشركة الاستشارية التي تعاقدت معها الوزارة؟
المستوى الثاني؛ إعادة هيكلة الموارد البشرية:
يشكل منسوبو وزارة التربية والتعليم نسبة 65 في المائة من إجمالي عدد موظفي الحكومة (المدنيين)، الذين تجاوز تعدادهم مليون موظف، وبذلك تعد الوزارة أكبر ''جهة عمل'' في السعودية، ذلك أنها تشغل 700 ألف موظف، 75 في المائة منهم معلمون ومعلمات، و25 في المائة منهم إداريون.
ورغبة في إحداث التغيير المنشود على مستويات المنظومة التعليمية كافة، دشنت الوزارة ''مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام''، منذ سنوات، وعهدت تنفيذه لشركة ''تطوير التعليم'' القابضة، التي أسست فيما بعد ثلاث شركات تابعة لها، هي: شركة ''تطوير'' للخدمات التعليمية، وشركة ''تطوير'' لخدمات النقل التعليمي، وشركة ''تطوير'' لإدارة مشروعات المباني التعليمية.
ونلاحظ أن فلسفة التطوير لدى الوزارة ركزت على المناهج والمباني والتجهيزات والمواصلات، وتناست العنصر الأهم، ونعني به ''المعلم''، الذي يكابد بين لقمة العيش والسكن والعلاج، فحاله لا تختلف عن حال أي موظف حكومي يعاني الأمرّين للوفاء بالالتزامات المادية التي تحاصره كل شهر.
لذلك، كان من الأجدى أن تقوم وزارة التربية والتعليم بإنشاء الشركة الأهم التي تنضوي تحت مظلة شركة ''تطوير التعليم'' القابضة، وهي الشركة التي يمكن أن نسميها شركة ''تطوير'' للموارد البشرية، حيث تتولى رعاية شؤون المعلمين والمعلمات منذ التعيين إلى التقاعد، لأنه كلما تضاعف اهتمامنا بالمعلم، تضاعف اهتمام المعلم بالطالب، وبالتالي ارتقينا بالعملية التعليمية ككل.
وتحقيق ذلك الهدف، يستوجب منا أن نتخلص من الإدارة البيروقراطية التي تعوق إدارة المعلمين الإدارة المثلى، على أن نقوم بإعادة هيكلة الموارد البشرية في الوزارة، عن طريق نقل 525 ألف معلم ومعلمة (وهم الذين يمثلون 75 في المائة من منسوبي التربية والتعليم) من كادر الوزارة (موظفي قطاع حكومي) إلى كادر شركة ''تطوير'' للموارد البشرية (موظفي قطاع خاص)، مما يعني الاستغناء عن سلم رواتب الوظائف التعليمية، وفي الوقت ذاته تتولى الشركة استحداث سلم رواتب للمعلمين، يتمتع بالجزالة والقدرة على إثابة المتميزين، إضافة إلى صرف البدلات لهم، كبدلات النقل والسكن وغيرها، مع ضرورة توفير المنافع الأخرى كالتأمين الطبي للمعلمين وأفراد أسرهم.
وستتمكن الشركة من التعامل مع المعلمين والمعلمات وفق مفاهيم ومبادئ وممارسات ''إدارة الموارد البشرية''، إضافة إلى اتباع فلسفة ''خدمة العملاء''، أي النظر للمعلم أو المعلمة على أنه ''عميل داخلي'' يستحق أعلى مستوى من الخدمة.
ومن المزايا المترتبة على إعادة هيكلة الموارد البشرية (نقل المعلمين من كادر الوزارة إلى كادر الشركة)، إكساب الوزارة الرشاقة الإدارية عن طريق تخفيض عدد موظفيها من 700 ألف إلى 175 ألف موظف، مما يساعدها في التركيز أكثر على سير العملية التعليمية بدلا من إرهاقها بمهام توظيف وإنجاز معاملات المعلمين، وكذلك تخفيف أعباء التعيين عن وزارتي الخدمة المدنية والمالية.
بل إن الخطوة المقترحة تسهم في تسهيل حركة تنقل المعلمين والمعلمات السعوديين من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة والعكس (على اعتبار أنهم سيخضعون لنظامي العمل والتأمينات الاجتماعية)، مما يؤدي إلى اشتداد المنافسة بين المدارس الحكومية والخاصة لاستقطاب وتوظيف المعلمين الأكفاء.
كل النجاح والتوفيق نتمناه للوزير خالد الفيصل، آملين وهو ''ند فرسان'' أن يتحقق التغيير على يديه.