المفرح والمقلق في بيان الميزانية

بداية لعلي أؤكد ما تحدثت عنه في مقالٍ سابق بأن الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1435/1436هـ (2014) حملت في جعبتها الكثير من الخير الوفير للمواطن السعودي، ولا سيما حين النظر إلى حجم الأموال المعتمدة للصرف على مشاريع تنموية عدة في مجالات حياتية ومعاشية مختلفة لها مساس مباشر بحياة المواطن.
وما يؤكد حجم ذلك الخير ووفرته، ما تضمنته الميزانية من مبالغ ضخمة للصرف على قطاعات وأنشطة حياتية مهمة بالنسبة للمواطن، حيث بلغ إجمالي المعتمد في الميزانية للصرف على “قطاع التعليم، والصحة والتنمية الاجتماعية، والخدمات البلدية، والتجهيزات الأساسية والنقل، والمياه والزراعة والصناعة والموارد الاقتصادية الأخرى”، مبلغ 484,6 مليار ريال أي ما يعادل نحو 56,7 في المائة من إجمالي الإنفاق. ويتوقع لهذا الإنفاق الضخم أن يسهم بفعالية في التحسن من نوعية حياة المواطن السعودي من خلال إنشاء المزيد من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات والمستشفيات والمراكز الصحية والطرق وإلى غير ذلك من الصروح التنموية.
ومن بين بشائر الخير بالميزانية أيضاً، مواصلة صناديق التنمية المتخصصة وبنوك التنمية الحكومية في تقديم القروض، بهدف دعم القطاعات الصناعية والزراعية والعقارية وقطاعي التعليم والخدمات الصحية الأهلية، ودعم كذلك المهن الحرفية والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، لتمكينها من المساهمة الفاعلة في استحداث المزيد من الوظائف للمواطنين والدفع بعجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي قدماً إلى الأمام.
ولكن على الرغم من هذا الخير الوفير الذي حملته الميزانية في جعبتها للمواطن، إلا أن هناك العديد من الأمور المقلقة في بيان الميزانية بالنسبة للمحللين الاقتصاديين، التي لعل من بين أهمها وأبرزها، قدرة الأجهزة التنفيذية في الدولة على تنفيذ المشاريع التنموية والاجتماعية، التي تضمنتها الميزانية بالجودة والنوعية التي يلمسها المواطن على أرض الواقع وفي الأوقات المحددة للتنفيذ، ولا سيما أن القدرة الإدارية والتنفيذية للأجهزة الحكومية، قد أثبتت عدم قدرتها على التعامل مع تلك المشاريع وبالذات بتلك الأحجام الضخمة، الأمر الذي يؤكده أن عدد عقود المشاريع التي طُرحت خلال العام المالي الماضي (2013) وتمت مراجعتها من قبل وزارة المالية، بما في ذلك المشاريع الممولة من فوائض إيرادات الميزانيات السابقة، قد بلغ 2330 عقداً بقيمة إجمالية بلغت ما يقارب 157 مليار ريال، في حين أن الميزانية للعام المالي 2012، قد تضمنت برامج ومشاريع جديدة ومراحل إضافية للمشاريع التي سبق اعتمادها بقيمة إجمالية بلغت نحو 285 مليار ريال.
من بين الأمور المقلقة أيضاً في بيان الميزانية وإن كان ذلك ليس بالأمر الجديد، استمرار اعتماد المالية العامة للدولة على إيرادات النفط وليس على التشغيل الذاتي للاقتصاد المحلي، وما يؤكد ذلك أن إيرادات النفط لا تزال تستحوذ على نصيب الأسد من إيرادات الميزانية، بنسبة بلغت العام الماضي (2013) 90 في المائة وفي الأعوام التي سبقته منذ بداية الألفية الجديدة بنسب مرتفعة للغاية لا تقل عن 85 في المائة.
إن الاعتماد على ايرادات النفط بشكل كبير في تشكيل تركيبة إيرادات المالية العامة للدولة، يشكل خطراً كبيراً على استمرارية تلك الإيرادات، ولا سيما في ظل تذبذب أسعار النفط العالمية والكميات المطلوبة واحتمالية إما نضوب النفط بعد عمر طويل، أو اكتشاف العالم لمصادر طاقة أخرى مثال النفط الصخري وإلى غير ذلك من المصادر.
هذا الاعتماد على إيرادات النفط انعكس أثره بشكل سلبي للغاية على العديد من المؤشرات ومعدلات النمو الاقتصادي في المملكة في العام المالي الماضي (2013)، وبالذات وأن القطاع النفطي شهد انخفاضاً في قيمته بلغت نسبته 3,38 في المائة بالأسعار الجارية. ومن بين المؤشرات السلبية لأداء الاقتصاد الكلي على سبيل المثال لا الحصر، ما توقعه بيان الميزانية أن تبلغ القيمة الإجمالية للصادرات السلعية خلال عام (2013) 1,376,197 مليون ريال بنسبة انخفاض تبلغ 5,5 في المائة عن العام المالي الذي سبقه (2012). أما بالنسبة للحساب الجاري لميزان المدفوعات، فتوقع له بيان الميزانية أن يحقق فائضاً مقداره 486,754 مليون ريال في عام (2013)، مقارنة بفائض مقداره 617,864 مليون ريال للعام المالي (2012)، وبنسبة انخفاض بلغت 21,2 في المائة.
وتوقع بيان الميزانية نتيجة لتلك المؤشرات السلبية، أن يبلغ معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي 3,80 في المائة للعام المالي (2013) مقارنة بـ 5,81 في المائة للعام المالي الذي سبقه (2012).
رغم هذه التأرجح والانخفاض الذي شهدته بعض المؤشرات الاقتصادية نتيجة لاعتماد النشاط الاقتصادي والمالية العامة للدولة على إيرادات النفط، إلا أن الفرصة لا تزال سانحة ومتاحة أمام الحكومة لبذل المزيد من الجهود الرامية إلى تنويع القاعدة الاقتصادية، مما يتطلب وكما أشرت في مقالٍ سابق وضع استراتيجية طموحة تعمل على تنشيط القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى غير البترولية بشقيها الحكومي والخاص، بهدف تقليل الاعتماد على إيرادات النفط كمصدر رئيس للدخل القومي وذلك خلال مدة معينة، إضافة إلى بذل المزيد من الجهد لتنمية الصادرات غير النفطية والبحث عن أفكار خلاقة ومبدعة لتنمية الاقتصاد الوطني بعيداً عن النفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي