الثوب والمشلح وإعاقة التنمية
خلال الفترة الزمنية القليلة الماضية ظهر توجه غريب يحمل لواءه عدد من الإعلاميين وبعض المتحدثين ينطلق من أن خروج المسؤول مرتديا المشلح دليل التخلف وإعاقة التنمية، وأن هذا المشلح رمز للتخلف والفساد والتكبر إلى آخر القائمة التي يحاول البعض فرضها وزرعها في عقول المتلقين, حتى إن لابس المشلح عندما يشارك في ندوة أو حوار أو لقاء تلفزيوني تجد من يتقدم إليه ويطلب منه أخذ مشلحه حتى يخرج اللقاء أو الحوار أكثر ديناميكية وأقل رسمية، وأن المسؤول بخلعه المشلح سيتغير عطاؤه وسلوكه وشكله ومشاركته وفكره وسينجز عمله بكل إتقان, حتى أصبح التعليق على أي صورة يظهر فيها المسؤول مرتديا المشلح محل سخرية من المعلقين والمغردين.
لقد استوقفني هذا الأمر مع سذاجته، لكن خطورة هذه السذاجة أنها تقود نحو تغيير مستمر في أسلوب لبسنا, لأن من يحارب المشلح اليوم سيحارب الغترة غدا والثوب بعد غد والعباية في اليوم التالي والحجاب إلى آخر القائمة من ملابسنا السعودية على أساس أنها جميعها معوقات للتنمية وأن التخلص منها واجب وطني تنموي عالمي ثم الانتقال إلى تغيير مبادئنا وقيمنا وعاداتنا.
مع الأسف، أن هذا التوجه الملزم لنا بتغيير لباسنا أو هويتنا بدأ يظهر تأثيره في بعض كبار المسؤولين من الوزراء وغيرهم، بحيث يقوم بعضهم بالمشاركة في المناسبات الرسمية أو الحفلات الرسمية أو اللقاءات الرسمية خالعا مشلحه على أساس عدم السير في ركب التخلف، مع أن هناك أوامر سامية مشددة باحترام الزي السعودي والتأكيد على لبس المشلح في كل المناسبات الرسمية, والسير في مثل هذا التوجه سيقود إلى تغيرات غير مبررة في التعدي على الزى السعودي وعدم احترامه مع أنه يتعرض اليوم إلى تشويه غير مسبوق من بعض المصممين الذين حولوا الثوب والعباية إلى مسخ لا يمكن أن يقبله عاقل، فالثوب أصبح كثير الألوان والزركشة والعباية أصبحت الأقرب إلى فساتين السهرة الملونة والضيقة على أساس أن هذا التغير هو من علامات التحضر والتقدم، ولو نظر أحدنا إلى اللباس الغربي الرسمي مثلا لوجد أن البذلة بكل قطعها لم تتغير منذ مئات السنين حتى إنها لم تتعرض لأي تغيير، وهذا المفهوم الواضح للرمزية الواجب العمل بها.
إن الناظر لحال أبنائنا اليوم يلاحظ أثر مثل هذه الحملة الداعمة للبعد عن الالتزام بلباسنا الوطني المعزز لهويتنا السعودية والمعرف لنا أمام الآخرين, وشباب اليوم كما نلاحظ في كل الأماكن العامة والخاصة وهم يرتدون الملابس غير الملائمة لمجتمعهم مثل القمصان مفتوحة الصدر أو البنطلونات التي يكون خصرها أسفل متوسط الحوض أو قيام الكثير منهم بلبس فنائل T-shirt تحمل كتابات تتناقض مع أبسط قيمنا المجتمعية، وهذا الأمر ينسحب على الشباب من الجنسين، حتى إن بعضهم ومن جهل باللغة يشتري فنلات مكتوبا عليها كلمات أجنبية فاحشة تسيء للابسها، مع ذلك نرى مثل هؤلاء الشباب يمشون بكل الزهو والغرور وهم يرتدون مثل هذه الملابس دون وعي للمعنى الذي ترمز له مثل هذه الكتابات. وفي سياق هذا التغير في الزى السعودي كنت أشاهد القناة الرياضية السعودية الرابعة "الرياضية زمان" وكانت المدرجات في مباريات المنتخب والأندية السعودية تمتلئ بالشباب السعودي ويستطيع المشاهد أن يعرف أنه جمهور سعودي من خلال اللباس، أما اليوم فأنت كمشاهد لا تعرف هوية الجمهور.
إن كتابتي اليوم عن هذا الموضوع جاءت في سياق حديث وحوار طويل حول أهمية تعزيز الهوية السعودية الوطنية بكل أبعادها العملية والشكلية وجعل هذه الهوية أحد أهم الروابط المجتمعية بحيث تعزز علاقتنا ببعض وتجاوزنا أمام الآخرين بهيئة واضحة بدل التغيير غير المبرر لهويتنا الشكلية التي أصبحت تقاد بشكل مقصود أو غير مقصود إلى ما يشبه المسخ، وهذا المسخ هو ما يجب الانتباه له، لأننا بالتساهل في مثل هذه الأمور سنقود أنفسنا إلى التغيير في الكثير من مبادئنا وقيمنا وعاداتنا دون الإحساس بخطورة هذا التغيير، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وقفة تأمل
«فــلا تصــاحب أخــا الجهل وإياك وإياهُ
فكم من جاهل أردى حليماً حين آخاهُ
يقــــاس المــــرء بالمــــرء إذا مـا هـو ماشاهُ
وللـــشــــيء على الشيء مقاييس وأشباهُ
قيـــــــــاس النــعل بالنعل إذا ما هو حاذاهُ
وللقلـــــــــب علــى القلـب دليل حين يلقاهُ»