إنشاء وزارة للأشغال سيعيد الهيبة للمشاريع الحكومية
نفت وزارة المالية في بيان صدر عنها أخيراً ما تردد في بعض الصحف المحلية والمنسوبة لبعض أعضاء اللجنة الوطنية للمقاولين والمتضمنة، أن الوزارة أحد أسباب تعثر تنفيذ المشاريع الحكومية لعدم رصدها وصرفها حقوق المقاولين.
وأكدت الوزارة في بيانها أنها تتعامل مع الاعتمادات المخصصة للمشاريع الحكومية وفق آلية، تكفل توافر اعتمادات للمشاريع ضمن مشروع الميزانية المقدم من الجهات الحكومية، التي يتم من خلالها تحديد الاعتمادات في ضوء البحث الذي يتم بين وزارة المالية والجهة صاحبة المشروع وفقاً للعقود الموقعة للمشاريع ومراحل التنفيذ. كما تقوم الوزارة خلال السنة المالية بمراجعة حالة الصرف على المشاريع دورياً للتأكد من كفايتها. فعلى سبيل المثال وبالتحديد فيما يتعلق بالمشاريع المعتمدة بميزانية السنة المالية الماضية 1434/1435 هـ 2013م، فقد بلغ معدل الصرف عليها خلال النصف الأول 48 في المائة من المعتمد بالميزانية، وبنسبة 63 في المائة خلال الربع الثالث عن المعتمد لها في تلك الفترة، أما في نهاية السنة المالية، فقد بلغت نسبة الصرف من الاعتمادات المخصصة للمشاريع 85 في المائة من إجمالي الاعتمادات، ونتيجة لذلك فقد توفر مبلغ 59 مليار ريال لم يتم صرفه خلال الميزانية. كما أكدت الوزارة أنه في حالة حاجة أحد المشاريع إلى زيادة الاعتماد المخصص له بالميزانية، فيمكن للوزير المختص أو رئيس الجهة ذات الميزانية المستقلة، النقل بين اعتمادات المشاريع، وذلك وفقاً لما نصت عليه مراسيم الميزانية العامة للدولة.
يتضح من تبريرات وزارة المالية المنطقية، أن الاعتمادات المخصصة للمشاريع بالميزانيات كانت كافية للصرف على مستحقات المقاولين كافة، ولا سيما أنه وفقاً لتصريحها لا توجد أي مبالغ متأخرة لدى الوزارة مستوفية نظاماً لإجراءات الصرف.
في اعتقادي أن قطاع المقاولات في بلادنا لا يعاني مشكلة في السيولة وتأخر صرف المستخلصات في ظل توافر فوائض السيولة بالمالية العامة للدولة، بقدر ما يعاني وجود مشكلات هيكلية تتعلق بالقطاع نفسه، ما يستلزم ضرورة إعادة النظر في هيكلية القطاع، بحيث يصبح أكثر قدرة وقوة ومتانة "تنظيمية، وفنية، ومهنية" مقارنة بأي وضع مضى للتفاعل مع متطلبات المرحلة التنموية والطفرة الاقتصادية التي تعيشها المملكة ويشهدها الاقتصاد الوطني منذ انطلاقة الألفية الجديدة. وما يؤكد على ذلك مطالبة عدد من المقاولين بضرورة إعادة هيكلة مجمل القطاع في ظل المستجدات والمتغيرات الاقتصادية الجديدة واحتياجات التنمية، ومطالبتهم بتأسيس بنك للإنشاء والتعمير وإيجاد مظلة أو مرجعية تشرف على تنظيم القطاع، بحيث يمكن الاحتكام إليها وقت نشوب الخلافات والنزاعات بين المقاول ومالك المشروع. والبعض لا يزال يؤكد أن تأخر الدولة في اعتماد عقد "فيدك" في تعاملاتها وتعاقداتها مع المقاولين، قد فاقم من مشكلة المقاولين والقطاع، وحد من قدرتهم على تنفيذ المشاريع، إضافة إلى ما يواجهون المقاولين من معوقات تتعلق بنظام المنافسات والمشتريات الحكومية وترسية المشاريع.
إن الخروج من مأزق تعثر المشاريع في بلادنا والسعي الجاد لإعادة هيكلة قطاع البناء والتشييد في السعودية، وبالتحديد قطاع المقاولات، يتطلب إعادة وزارة الأشغال العامة للساحة المحلية من جديد وكما كان عليه الوضع في وقت سابق، ولا سيما أنها قد أثبتت فاعليتها خلال فترة مضت، وأن الحاجة الآن أصبحت ملحة لإعادة إحيائها مقارنة بأي وقت مضى وبالذات حين النظر إلى حجم وقيمة المشاريع الحكومية المتأخرة أو المتعثرة في التنفيذ، بحيث يكون من بين مهامها تنظيم قطاع البناء والتشييد بما في ذلك المقاولات، وأن تصبح مرجعية قانونية ومظلة تشريعية وتنظيمية للقطاع، إضافة إلى إشرافها على السياسة العامة للدولة في مجال الإنشاءات والتعمير والإسكان وعلى كل العمليات الخاصة بتخطيط وتصميم وتنفيذ وصيانة جميع المشاريع الإنشائية والعمرانية للدولة بما في ذلك الإسكانية. على أن يكون من بين مهامها أيضاً إعداد الدراسات والبحوث الفنية والتصميمات ووضع المواصفات القياسية والتقديرات لمختلف المشاريع الإنشائية والعمرانية التابعة للوزارات والأجهزة الحكومية والإشراف المباشر على تنفيذها وصيانتها، بحيث تتفرغ الوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
ومن بين مهامها أيضاً، الإشراف على تنفيذ مباني ومنشآت الدولة كافة والقيام بتنفيذها طبقاً للمواصفات الموحدة والأسعار المعتمدة بما في ذلك كود البناء. ومن بين المهام كذلك، القيام بإعداد البحوث والدراسات الخاصة بتطوير الأعمال الفنية في مجالات البناء والإنشاءات والتعمير، وبما يكفل تنفيذ المشاريع بأفضل الطرق والسبل المتاحة والمواصفات المحلية والعالمية.
إن إعادة تأسيس أو إنشاء وزارة للأشغال العامة في المملكة سيسهم بفاعلية في تطوير قطاع البناء والتشييد في بلادنا، وسيعمل أيضاً على القضاء على ظاهرة تأخر وتعثر المشاريع الحكومية، بما في ذلك القضاء على الهدر المالي والاقتصادي الذي يصاحب تعثر المشاريع.
وكما أشرت إلى أن الحاجة في الوقت الحاضر، أصبحت ملحة لإعادة تأسيس وزارة للأشغال العامة، وبالذات في ظل الطفرة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة التي تشهدها السعودية منذ بداية الألفية الجديدة وما صاحبها من حجم مشاريع ضخمة وعملاقة متخصصة بمختلف مجالات ومناحي الحياة.