معهد بناء القيادات الإدارية
دور القيادات في حياة الأفراد والأمم والمؤسسات العامة والخاصة دور رئيسي ومهم، وكلما تقدمت الدول وتم بناؤها البناء المؤسسي السليم كان أمر الاهتمام بالقيادات وبنائها وتدريبها وتأهيلها أمرا في غاية الأهمية حتى تضمن تلك الدول استمرار نظامها البنائي في جانبيه المؤسسي والمكاني وفي الدول النامية كما تسميها أدبيات التنمية تكون الحاجة إلى روح وقدرة وعلم القائد الإداري أمرا في غاية الأهمية حتى لا تفقد المؤسسات قدرتها على تطوير ذاتها واستدامة ذلك التطوير. ومفهوم القائد هنا هو القادر على قيادة سفينة إدارته من خلال فهمه الواعي للأنظمة والعلاقات الاجتماعية وبيئة العمل ومعرفة قدرات وإمكانات فريق العمل معه بحيث يستثمر قدراتها ويوجهها نحو تقديم أفضل ما لديها دون تداخل في اختصاصاتها وهو ما يسميه علماء الإدارة القدرات الذهنية والفكرية للقائد الإداري الناجح وهذا الفهم هو المحرك الرئيسي الدافع لمختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية وغيرها من متطلبات المجتمع وهذا الإلمام بقدرات وإمكانات فريق العمل هو ما يعزز قدراتها على تقديم أقصى ما لديها وأكثر.
بناء القيادات الإدارية اليوم أصبح هما عالميا خصوصاً مع ارتفاع المنافسة العالمية في كل القطاعات وهو هم مشترك بين كل القطاعات العامة والخاصة والأكاديمية والإعلامية حتى مؤسسات المجتمع المدني أصبحت تمنح هذا الموضوع أهمية عالية لضمان تعزيز دورها في إدارة المجتمع وتحقيق التأثير الإيجابي فيه، هذا الفهم والتوجه أصبح أمرا ضروريا لتعزيز المنافسة بين مختلف الدول ومع التحديات العالمية التي فرضتها المتغيرات الدولية في الأنظمة والاتفاقيات والتواصل والاتصال أصبح بناء القيادات الإدارية هاجسا لكل المتخصصين والممارسين لعلوم الإدارة وأصبح هناك تحول قوي نحو تطوير البرامج والمناهج والدورات التي توجه نحو هذا العلم المهم والجديد والملح في عالم بناء المؤسسات العامة والخاصة. إن الاهتمام بإنشاء معاهد متخصصة لدعم اكتشاف وبناء وتأهيل القيادات الإدارية في مختلف الصفوف والمستويات أصبح أمرا ملحا لأن علم ومفهوم دور القائد الإداري لم يعد أمرا يعتمد على القدرات والملكة الشخصية للفرد فقط وإنما يحتاج إلى الفهم لدور القائد ومهامه ودورة وأسلوب معالجته لمختلف القضايا واستيعابه للمتغيرات من حوله وما يدور ويحاك حوله وهذا يحتاج إلى التأهيل والتدريب من خلال معاهد متخصصة تصمم برامجها وفق نوع ودور ومهام القائد الإداري ومستوى ذلك القائد ومتطلبات عمله ولعل في هذا السياق الإشارة إلى أهمية عدم الدمج بين مفهوم القائد الإداري والمدير الإداري لأن أغلب العاملين في هذا المجال تختلط عليهم الأمور وتتداخل المفاهيم في هذا الفصل بين القائد Leader والمدير Manager وهذان المفهومان بينهما مسافة شاسعة في الدور والممارسة ولعلي أعود إليها بشيء من التفصيل في مقال قادم ـــ إن شاء الله.
إن الاهتمام بمشروع إنشاء معهد متخصص لبناء القيادات في مختلف المواقع الإدارية بشكل خاص والمواقع القيادية بشكل عام في أبعادها الفنية والتقنية أمر في غاية الضرورة خصوصاً مع الحصيلة المعرفية الإدارية التي تم بناؤها خلال السنوات الماضية في المملكة العربية السعودية، خصوصاً في آلية التعامل مع المؤسسات وأعمالها والمواطنين ومطالبهم وظروفهم والمقيمين ومشكلاتهم، وهذا البناء المعرفي في السعودية له خصوصية مهمة تنطلق من سياسة القيادة السعودية في تعزيز الارتباط المباشر بين القائد والمواطن وتقليل، وربما القضاء، على كل المعوقات التي يمكن أن تقف في وجهه، ومن جهة أخرى أهمية الاستمرار في تنفيذ الأعمال التي تقوم بها مختلف المؤسسات والأجهزة خصوصاً الحكومية وأن يكون هناك تفريق بين العمل والعاملين لأن الأساس هو البناء في العمل والأنظمة والتوجهات ودعمها وتحقيق استمرارها واستدامتها والاستثمار في العاملين مع فرصة التغيير بينهم على أساس أن العمل هو المستمر والعاملين هم المتغيرون، وهذا أيضاً موضوع يحتاج إلى شيء من الإيضاح للتفريق بين العمل والعاملين ومجالات التغيير فيهما ولعل لي عودة لهذا الموضوع في مقال قادم.
وأخيراً .. إن أهمية إنشاء مركز أو معهد لبناء القيادات الإدارية يتأكد اليوم بشكل أكبر وأهم للاستفادة من التجارب المتميزة لكثير من القيادات السعودية في مختلف القطاعات والمجالات وألا نستمر في ثقافة "كلما جاءت أمه لعنت أختها"، وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل
«من نم في الناس لم تؤمن عقاربه
على الصديق ولم تؤمن أفاعيه
كالسيل بالليل لا يدري به أحد
من أين جاء ولا من أين يأتيه
الويل للعهد منه كيف ينقصه
والويل للود منه كيف يفنيه».