الأمر الملكي .. بيان للمحرِّضين
لم تذق دولة في العالم الأمرّين من التحريض على الإرهاب كما السعودية. دعْ عنك مقاتلين في الخارج تحوّلوا إلى مقاتلين في الداخل، فهؤلاء نهجهم واضح وخطرهم معروف. الخطر الأكبر في محرِّضين يتسترون تحت عباءات متلونة تمتلئ بها دواليبهم. يوماً يرتدون عباءة حقوق الإنسان، وآخر عباءة الحريات، وثالث عباءة الإسلام، ويوماً رابعاً عباءة الأقليات. تصوّروا.. يزايدون على السعودية في الدفاع عن الإسلام والمسلمين .. ما أتعسَهم!
أما وقد أصدر خادم الحرمين الشريفين قراراً تاريخياً سمّى فيه الأمور بأسمائها، فلم يعد الإرهابي مَن يقاتل في الخارج أو الداخل كما كان، ولم يعد الإرهابي مَن يدعم ويموِّل الجماعات الإرهابية فحسب، الإرهابي، وفقاً للقانون الجديد وكما في كل دول العالم، مَن "يحرِّض" أو "يشجِّع" أو "يروِّج بالقول أو الكتابة بأي طريقة"، كما نصّت المادة أولاً من الأمر الملكي الصادر أمس، وضعوا خطاً تحت كلمة "بأي طريقة" كانت، فهي تعني مَن بثوا سمومهم طويلاً عبر المنابر أو القنوات الفضائية أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي، اعتقاداً كارثياً بأن هذا يعد ضمن حرية الرأي، وللتذكير فإن وزيرة الداخلية البريطانية تقدمت قبل أيام باقتراح حكومي لسحب الجنسية ممَّن "يشتبه" في تورُّطهم بالإرهاب.
قصة الإرهاب والمحرِّضين عليه ليست جديدة، بدءاً من "طالبان" مروراً بالشيشان والبوسنة والهرسك والعراق واليمن والصومال، وسورية ما بين "داعش" و"النصرة" وغيرهما من التيارات المتطرفة، وأخيراً مناصرة "إخوان" مصر في إرهابهم. في نهاية الأمر كل القصة أن المحرِّضين مستمرون في نهجهم، والمتربصين بالسعودية في الخارج فرحون بنصرهم، ثم نأتي ونسأل: لماذا الفكر القاعدي أو دعم الجماعات المتطرفة منتشر بيننا؟ منتشر لأن الأقوال لا تتوافق مع الأفعال. منتشر لأن العازفين على وتر الشعبية والأجندات الشخصية والولاءات الخارجية لم يردعهم رادع، منتشر لأنه لم يكن هناك قانون يمنعهم.
"جماعة الإخوان المسلمين"، مثلاً، بلغت حدّاً من الإرهاب على الساحة المصرية لا سابق له، بينما مناصروها السعوديون يفتخرون بذلك أمام الملأ. يناكفون حكومتهم بدعم "الجماعة" على رؤوس الأشهاد. يشتمون بلادهم ويناصرون جماعتهم. يتعرَّضون بالإساءة للدولة ورموزها في الليل ويوقّعون عقوداً مع شركات حكومية في النهار! يلحقون الضرر بمكانة السعودية وبعلاقاتها مع الدول الأخرى. والموقف السعودي واضح في شأن "الإخوان"، هو ليس موقفاً سياسياً، كما يصوّره البعض، بل هو نابع من حفظ كيان الدولة وعدم التحزب لمصلحة "جماعة" بعينها وتمزيق المجتمع، كما يريد "إخوان" السعودية.
يمكن القول أخيراً: إن السعودية لديها غطاء تنظيمي وقانوني ضدّ كل مَن يشارك أو يحرِّض أو يدعم التيارات المتطرفة. لم يعد مناسباً أن تقوم وزارة الداخلية بإجراءات مبنية على "تحذيرات" أو تتغير ردة الفعل بين حالة وأخرى، القانون وحده يفعّل إجراءات التقاضي أمام مَن يطولهم، خاصة مع تأكيد الملك على وزير الداخلية "بالرفع أولاً بأول عن وقوعات القبض، والضبط، والتحقيق، والادعاء للجرائم" المذكورة في القانون.
لجميع مَن ناصر بالقول أو الفعل أو الدعم المادي أو المعنوي لأي تيار متطرف، لكل مَن غُرر به وظن فعلاً أنه ناشط سياسي بالتبرير للإرهاب والإرهابيين، لكل مَن بحث عن شعبيةٍ ما عن طريق الطعن في وطنه والتمجيد لجماعات وتنظيمات بعينها. لكل مَن "دُفع" له من هذه الدولة أو تلك حتى يستمر في غيه ومناكفة بلاده. لهم جميعاً نقول: بقيت أمامكم 30 يوماً من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية، القانون أمامكم و"الجماعة" خلفكم.. أنتم مَن يختار.