احذروا فقاعة العملات الافتراضية

انتشر أخيراً بين عدد من المتعاملين بالأسواق التجارية وأسواق الخدمات والأسواق المالية على مستوى العالم، خاصة على مستوى أسواق الفوركس في عدد من دول العالم، التعامل بما يسمى بالعملات الافتراضية.
وصفت موسوعة ويكيبيديا الحرة العملة الافتراضية، بأنها عملة رقمية ذات مجهولية أنونيموس Anonymous، كونها لا تمتلك رقماً متسلسلا ولا أي وسيلة أخرى تتيح تتبع ما أنفق للوصول إلى البائع أو المشتري، ما يجعل منها فكرة رائجة لدى كل المدافعين عن الخصوصية، أو بائعي السلع والبضائع غير المشروعة (مثل المخدرات) عبر الإنترنت.
من بين أمثلة العملات الافتراضية، التي انتشرت أخيراً على مستوى العالم، عملة الـ "بيتكوين" Bitcoin، وهي عملة افتراضية، يطلق عليها البعض العملة الإلكترونية، باعتبارها تتداول فقط عن طريق الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) دون الحاجة إلى وجود فيزيائي لها، وتعتمد في تعاملاتها على ما يعرف مصطلحاً بمبدأ الند بالند Peer-to- Peer، الذي يعني التعامل المباشر بين متعامل وآخر دون الحاجة إلى وجود وسيط، ونتيجة لذلك اعتبرها البعض عملة لامركزية.
تجدر الإشارة إلى أن عملة الـ "بيتكوين"، بدأت فكرتها في عام 2008 على شكل ورقة بحث علمي قدمها شخص يعتقد أنه ياباني الجنسية، رمز لنفسه باسم ساتوشي ناكاماتو، وأخذت تعاملاتها في الانتشار في عدد من دول العالم في عام 2009، وأخذت قيمتها في الارتفاع مقابل العملات الرئيسة الأخرى مثل عملة الدولار الأمريكي وعملة اليورو وأخرى بمضاعفات الـ 100 في المائة، حيث على سبيل المثال عندما بدأ التعامل بالعملة في عام 2009 كان لا يتجاوز سعر صرفها مثلاً مقابل عملة الدولار الأمريكي سوى 30 سنتاً، ولكن سرعان ما تضاعفت تلك القيمة ليتجاوز سعر الصرف وفق ما ورد في أحد التقارير مبلغ 14 ألف دولار وذلك في شهر حزيران (يونيو) 2013. ونتيجة لما حققته الـ "بيتكوين" من انتشار ورواج بين المتعاملين، ظهرت أنواع أخرى من العملات الافتراضية، التي أطلق عليها "التكوين" altcoin أو العملات الافتراضية البديلة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، لايت كوين، ونوفاكوين، وبير كوين، ونيمكوين.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن عملة الـ "بيتكوين" حظيت باعتراف دولي وإن كان محدوداً للغاية وبالتحديد في دولة ألمانيا الاتحادية، التي تعد وفق ما ورد في موسوعة ويكيبيديا الحرة، أنها الدولة الوحيدة التي اعترفت رسمياً بهذا النوع من العملة على أنها نوع من أنواع النقود الإلكترونية، حيث اعتبرت الحكومية الألمانية أنها تستطيع فرض الضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بالـ "بيتكوين" في حين تبقى المعاملات المالية الفردية معفية من الضرائب. وانتشرت أيضاً التعاملات بهذه العملة في الصين، إذ تشير المعلومات إلى أن الصين تتداول ما يساوي 100 ألف عملة منها يومياً، أو ما يعادل نحو 65,7 مليون دولار أمريكي خلال التداولات اليومية. وتشير المعلومات كذلك إلى أن هناك عددا من الفنادق والمطاعم على مستوى العالم، وإن كانت محدودة للغاية، تقبل الدفع بعملة الـ "بيتكوين"، إضافة إلى وجود أجهزة صراف آلي تتعامل بعملة الـ "بيتكوين".
على الرغم من الانتشار غير المسبوق للتعامل بالعملات الافتراضية بين الأفراد والمؤسسات، خاصة في استخدامها لدفع قيمة أشياء كثيرة مثل الكتب والهدايا والأشياء الأخرى المتاح شراؤها عن طريق الإنترنت وتحويلها لعملات أخرى مثل الدولار واليورو، إلا أن التوجس والقلق لا يزالان يحومان حول هذا النوع من العملات، ولاسيما أنها لا تعمل تحت غطاء شرعي أو مستند قانوني، كما أنها لم تحظ بقبول أو اعتراف البنوك المركزية على مستوى العالم، إضافة إلى أن هذا النوع من العملات يبعث القلق والفزع إلى نفوس المشرعين والاقتصاديين والقانونيين، باعتبار، كما أشرت، أن التعامل بها يتم بشكل مباشر بين متعامل وآخر دون الحاجة إلى وجود وسيط كبنك، ما يتيح الفرصة أمام انتشار عمليات مشبوهة وغير قانونية مثل عمليات تبييض الأموال، والتجارة في العملات .Forex، ومن هذا المنطلق ونتيجة لتلك المخاوف، وصفتها مجلة عالم التقنية في أحد المقالات التي تضمنتها على أنها "شراء سمك في البحر"، باعتبارها محفوفة بالمخاطر، نتيجة لأن المتعامل النهائي بها هو الخاسر الأكبر؛ إذ يمكن خسارتها في حالة خسارة الكمبيوتر الشخصي للمتعامل الذي يملكه لأي سبب كان.
إن للجانب الأمني أهمية كبرى في عدم التعامل مع هذه العملة، بسبب عدم القدرة على مراقبة وتتبع مصادر الأموال، بسبب الخصوصية المفرطة التي توفرها تلك العملة في التعاملات، ونتيجة لهذا الأمر تشير المعلومات إلى أن أكثر من 60 في المائة من تعاملات العملات الافتراضية مثل الـ "بيتكوين" وغيرها تتم لصالح القمار وتجارة المخدرات.
والسؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الراهن، وكما يقولون سؤال المليون دولار، وذلك على الرغم من تلك المخاوف التي تحوم حول مستقبل مصير العملات الافتراضية، هل سيأتي يوم على العالم يعترف بها ويتعامل معها بشكل قانوني ورسمي مثلها مثل العملات التقليدية؟ قد تكون الإجابة عن هذا السؤال اليوم صعبة للغاية، خاصة في ظل تلك السلبيات التي ذكرتها، ولكن في جميع الأحوال يُنصح في الوقت الحاضر بعدم التعامل مع ذلك النوع من العملات في ظل عدم وجود غطاء شرعي وقانوني وتنظيمي يكفل حقوق المتعاملين وتذبذب سعر الصرف، تفادياً لضياع الأموال وسرقتها أو دخولها في متاهات وعمليات مشبوهة يعاقب عليها القانون، وتخوفاً أيضاً من أن تكون فقاعة تنتهي في يوم ما بتخلي الداعمين عنها والمروجين لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي