فكر من لا يرى السعودية وطنا له

استمرارا لما سبق طرحه من مقالات ابتداء بمقالات "الملك عبد العزيز وبناء الدولة" ومرورا بمقالات "الدولة والحكومة .. المفهوم والممارسة" و"الحكومة وتقزيم الدولة" حتى آخر مقال "وطن للبيع" وأنا من خلال ذلك أحاول أن أصوغ منظومة متكاملة من الآراء والأفكار والمقترحات حول زاوية من نظرة شاملة لمستقبل بناء وطننا الغالي المملكة العربية السعودية التي كتبت في المقال السابق "إن جهود الملك عبد العزيز ورجاله - رحمهم الله - في توحيد المملكة يعتبر إعجازا في عالم بناء الدول، وذكرت أن المعجزة الأعظم أو الأصعب هو المحافظة على الوحدة والعمل على تطوير الوطن، الإنسان والمكان، خصوصا أن المملكة تمر اليوم بمرحلة تختلف كثيرا عن مراحلها السابقة، مع ما شاب تلك المراحل من صعوبات وتحديات داخلية وخارجية إلا أن الخطورة اليوم أصعب بسبب تداعي الداخل والخارج على استقرار الوطن واعتقاد كل شخص وجهاز ودولة أن له الكلمة العليا في مستقبل هذا الوطن الغالي المملكة العربية السعودية، ولعل أخطر أصحاب كل تلك الاتجاهات هم من لا يعتقدون أو يرون أن المملكة العربية السعودية وطن لهم.
إن أصحاب فكر أو اتجاه من لا يرى السعودية وطنا له أمر يجب أن يوضع أمامنا بكل أبعاده الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وليس فقط من زاوية واحدة مما ذكر، وهنا مع قناعتي بأن المرحلة الحالية وما يصاحبها من مشكلات فكرية وأيديولوجية عبر عنها قرار خادم الحرمين الشريفين وجعل النقاط على الحروف بغض النظر عما نختلف حوله من تفاصيل في تنفيذ القرار وشموليته إلا أن المرحلة الحالية في أمس الحاجة إلى عدد من الضوابط والأنظمة التي تعزز حجم مسؤولية المواطنة وتكشف الأقنعة عن مدعي الوطنية والمستغلين للوطن في كل مجالات الاستغلال الفكرية والإعلامية والمالية والعملية والسياسية والاستثمارية وغيرها، ما يتطلب وضع نظام واضح لكل تلك المجالات حتى لا نجعل من وطننا سلعة لكل بائع وطن. ولعلي هنا أقف على بعض الأمور التي أرى أنها تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في استقرار ودعم الانتماء الوطني، خصوصا مع التداعيات الإقليمية التي تعيشها كل الدول المحيطة بنا وتدافع مختلف عصابات الإجرام وأصحاب المصالح والأهواء نحو تلك الدول واعتبارها في نظرهم بوابات لدخول المملكة العربية السعودية التي تعتبر هدفا لتلك العصابات لاستغلال كل ثرواتها ومقدراتها، إضافة إلى رغبة تلك العصابات ومن يدعمها في القضاء على ظاهرة الدولة الإسلامية الواقعية بالمفهوم والممارسة، إضافة إلى أسباب عديدة لا يتسع المقال لطرحها، لكن يكفي أننا إذا لم نوحد جبهتنا الداخلية فإن عدونا لن يرحمنا ويرحم تخاذلنا، لهذا فإن الخطوة الأولى التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين بتجريم دعم الإرهاب أو التحريض عليه بأي شكل من الأشكال يتطلب تجريم عدد من الأفعال التي تصب في المجال نفسه، منها - كما ذكرت - إضافة إلى الفكر المضلل، الإعلام السعودي وغير السعودي الذي يجعل من وضع الوطن وإنسانه هدفا للترهيب والتخويف والتشكيك والاتهام وأن كل ما يعمل في المملكة من جهود هو فساد في فساد بحيث أصبح إعلامنا السعودي المغذي رقم واحد للتقارير الدولية ضد السعودية، وهو ما يوجد الهلع داخل الأنفس السعودية اليوم، ثم يأتي دور مصاصي دم الوطن ممن جعل من المملكة العربية السعودية البقرة الحلوب من السعوديين وغير السعوديين الذين لا يستفيد منهم الوطن والمواطن بشيء وكل أموالهم التي يكسبونها في السعودية تغادر إلى خارجها على أساس أن هذا الوطن ليس وطن استقرار، إنما وطن جباية، ولو التفت كل واحد منا حوله وسأل نفسه أين تذهب مليارات الريالات من تنفيذ المشروعات أو بيع الأراضي أو غيرها لوجدنا الجواب الشافي وهو أنها تغادر الوطن لاستثمارها خارجه دون أي فائدة للوطن منها.
إن مثل هذا التصرف يعادل أو يوازي تصرف الداعمين لتجييش الشباب ودفعهم إلى مواطن الفتن والحروب حول العالم، فهؤلاء يدفعون بالشباب للهجرة غير الشرعية والآخرون يدفعون المال للهجرة غير الشرعية خارج الوطن وكلاهما خطر على استقرار الوطن ككل، ولهذا فإن كل هذه الفئات المجيشة للشباب وللإعلام والمهربين لخير الوطن خارجه تحتاج تصرفاتهم إلى نظام صارم حازم وتجريم واضح لها بحيث نرى خير الوطن أو بعضه يعود على أبنائه وأرضه ويحقق الطمأنينة في نفوسهم لوطن مستقر وخيره فيه ولأهله .
إن استيعابنا أهمية حماية الوطن والعمل على استقراره وتطويره يتطلب تطوير وإحداث الكثير من الأنظمة التي لا تحجز على حريات وحقوق المواطنين لكنها تحقق للوطن الحد الأدنى من التقدير والاحترام والاستقرار والتطوير حتى لا نجعله في مهب الريح تتقاذفه مختلف المصالح والأهواء، ونحقق بهذا العمل تقديم القيم على المصالح في بناء الوطن، التي لي عودة إليها - إن شاء الله - بالشرح والإيضاح حتى نفرق بين بناء الوطن بالقيم والتعامل مع الآخرين بالمصالح. وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي