قيادة المركبات في السعودية لا فن ولا ذوق
شعار قيادة المركبات في السعودية "القيادة فن وذوق"، لكن -مع الأسف الشديد- في بلادنا هذا الشعار لا يعكس واقع الحقيقة المؤلمة والواقع المرير الذي تعيشه بلادنا، في ظل ضخامة أعداد الحوادث المرورية في المملكة وما تسبب فيه في كل عام من أضرار بشرية ومادية واقتصادية تتجاوز المعدلات العالمية نسبة إلى عدد السكان.
وما يؤكد على أن ذلك الشعار لا يعدو كونه زيفا وواقعا غير محسوس وملموس على أرض الواقع، إذ تسجل المملكة أحد أعلى معدلات الحوادث المرورية على مستوى العالم، حيث سجلت في أحد الأعوام أكثر من 544 ألف حادث مروري، تسببت في وفاة 7153 شخصاً، وإصابة ما لا يقل عن 40 ألفا.
البعض يعزي ضخامة أعداد هذه الحوادث في السعودية إلى الزيادة العددية المطردة لأعداد المركبات في المملكة، التي تجاوزت تسعة ملايين مركبة، ما انعكس أثره في الطاقة الاستيعابية للطرق، وبالتالي ازدياد الازدحام المروري والحوادث المرورية، في حين أن البعض الآخر يعزي الزيادة في أعداد الحوادث المرورية في المملكة إلى أخطاء بشرية من قبل قائدي المركبات أنفسهم، التي تعود معظمها إلى الاستهتار المتعمد بالقوانين والأنظمة والتعليمات والإرشادات المرورية وعدم المبالاة بالمخالفات المرورية.
وإن كنت لا أقلل من قيمة الرأي الذي يعزي حدوث الحوادث المرورية في المملكة إلى الزيادة المطردة في أعداد المركبات عاما عن آخر، لكن هذا ما يحدث في معظم دول العالم وليس في السعودية فقط، لكن لا يتسبب بالضرورة في حدوث الحوادث المرورية بالمعدل نفسه نسبة إلى عدد السكان في المملكة، ما يؤكد أن هناك خللاً ما في أسلوب تعامل أصحاب المركبات في السعودية مع مركباتهم وطريقة قيادتهم لها، بأسلوب لا يخلو من الرعونة والعنفوان والاستهتار غير المبرر، ما يتسبب في حدوث الحوادث المرورية المروعة على مدار الساعة. وأثبتت المعلومات والإحصائيات أن سوء تصرفات قائدي المركبات في التعامل مع مركباتهم عند قيادتهم لها، هو العامل الأساسي في حدوث الحوادث المرورية في المملكة، إذ تشير تلك المعلومات والإحصائيات إلى أن معظم المخالفات والحوادث المرورية، التي تحدث في السعودية هي نتيجة للسرعة الزائدة وتجاوز أو قطع الإشارات المرورية، التي تشكل أكثر من 59 في المائة من إجمالي المخالفات المرورية، إضافة إلى المخالفات المرورية الأخرى الناتجة عن الاستهتار بقيادة المركبة.
وما يؤكد رعونة قائدي المركبات في السعودية واستهتارهم بالقوانين والأنظمة المرورية، مقاومة بعضهم نظام ساهر، الذي يعد من بين أفضل الأنظمة الآلية على مستوى العالم لضبط وإدارة الحركة المرورية باستخدام نظم إلكترونية متقدمة للغاية. فعلى الرغم من الأهداف النبيلة والسامية للنظام، التي من بين أهمها وأبرزها، تحسين مستوى السلامة المرورية بالخفض من أعداد الحوادث المرورية، إلا أنه ومع الأسف، وكما أسلفت لم يحظ بالاهتمام المجتمعي المأمول، على الرغم من إسهامه الفاعل بعد الله في التقليل من أعداد الحوادث والوفيات، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن النظام حقق انخفاضا في عدد الوفيات بنسبة 38 في المائة وتراجع في عدد الإصابات بنسبة 9 في المائة في حين نقصت أعداد الحوادث بمعدل 21 في المائة، ما يدعونا إلى احترام النظام ومساندته وليس مقاومته بشتى وسائل المقاومة والتحايل عليه للحد من قدرته في رصد المخالفات.
وبالنسبة لأسابيع المرور، فهي -مع الأسف الأخرى، لم يستفد منها المجتمع بالشكل المطلوب الذي يحقق السلامة المرورية المنشودة، على الرغم مما تبذله إدارات المرور المتعددة في المملكة من جهود كبيرة لإنجاح فعاليات تلك الأسابيع، التي تهدف إلى نشر التوعية المرورية عبر وسائل الإعلام المختلفة، من خلال إقامة العديد من الفعاليات والأنشطة في المدارس والأماكن العامة للمساهمة في رفع وتيرة الوعي لدى المواطنين والمقيمين في رسالة مضمونها الحفاظ على الأرواح بالحد من ارتفاع نسبة الحوادث المرورية.
هذه السلوكيات المرورية الرعناء في السعودية التي تسببت في حدوث خسائر مالية واقتصادية تقدر بنحو 13 مليار ريال سنوياَ، في حين أن تقديرات أخرى تشير إلى أنها تصل إلى 25 ملياراً، ويتوقع لها أن ترتفع لتصل إلى 55 مليار ريال على أقل تقدير في عام 2020، في حاجة إلى المزيد من الحزم المروري للقضاء عليها، وبالذات أنها بدأت تتفشى أخيراً بشكل لافت للنظر، حيث أضحى اليوم عكس سير اتجاه الطريق، والسرعة الزائدة، والاتجاه لليمين من أقصى اليسار وبالعكس، والوقوف الخاطئ، وقطع الإشارة الحمراء، من المشاهد المألوفة التي نشاهدها في شوارعنا وطرقنا على مدار الساعة، دون اكتراث للعواقب الوخيمة.
إن فرض المرور هيبته على قائدي المركبات في السعودية، يعد أمراً مطلوباً وضرورة حتمية للقضاء على تلك السلوكيات المرورية الخاطئة وغيرها، ولا سيما أنها تتسبب في كل عام في حدوث حوادث مرورية دامية ينتج عنها إزهاق للأرواح البريئة وخسائر مادية كبيرة تطول المكتسبات الاقتصادية للمملكة، وتكلف الاقتصاد الوطني سنوياً مليارات الريالات. كما أن فرض هيبة المرور سيساعد على تحقيق وفورات مالية كبيرة للسعودية، باعتبار أن فرض تلك الهيبة، سيعمل على الخفض من أعداد ونسبة الحوادث المرورية، ما يمكن الحكومة من إعادة توجيه الأموال التي تهدر نتيجة الصرف على إصلاح الأضرار المادية والإصابات الجسدية بما في ذلك الخسائر الأخرى، على أوجه تنموية واقتصادية عديدة تعود بالنفع والفائدة والقيمة المضافة للاقتصاد الوطني.