واعظ يزلزل الأرض تحت أقدام الباشا..لخطف طربوش السلطة
في بداية العام كان يبدو على الحكومة التركية أنها ستبدأ في سحب الأرصدة من أكبر بنك إسلامي في البلاد. المؤسسات التي من قبيل الخطوط الجوية التركية، التي تملك الدولة 49 في المائة منها، بدأت بسحب ودائعها من بنك آسيا، الذي أسسه أتباع الواعظ فتح الله جولين. خلال أيام، خرجت مئات ملايين الدولارات من البنك.
مثل هذه الأفعال تبدو غير عادية، لكنها كانت مفهومة تماماً.
اندلع للتو قتال حتى الموت بين رجب طيب إردوغان، رئيس الوزراء التركي، وحلفائه السابقين في حركة جولين، الذي يعيش في منفى اختياري في جبال بنسلفانيا منذ 15 عاماً.
إذا كانت الحكومة خصماً مخيفاً، فإن خصومها هم كذلك. تدافع المدخرون الأفراد في بنك آسيا لبيع ممتلكاتهم حتى يتمكنوا من إيداع مبالغ كافية لتثبيت استقرار البنك. لم تمر فترة طويلة، وبمساعدة عمليات بيع لأصول أخرى وأموال البنك المركزي، حتى تم إيقاف الأزمة. أظهر أتباع جولين الأتراك عضلاتهم المالية مع التفاني اللافت للنظر لقضيتهم.
#2#
#3#
حركتهم تختلف عن أية حركة أخرى. ملايين الأتباع الذين استلهموا أفكار جولين، البالغ من العمر 72 عاماً، وهو إمام سابق في مدينة إزمير، يؤكد على أهمية التعليم والتعايش الديني والقتال ضد الفقر.
يدير أتباع جولين مدارس في نحو 140 بلداً حول العالم، واتحاداً للشركات يقول إنه يضم 120 ألف شركة تحت جناحيه، كان له دور حيوي في فتح الأسواق أمام تركيا، خصوصاً في إفريقيا.
ويقدمون تبرعات لمنظمة "ألا يوجد أحد هنا؟"، وهي مؤسسة خيرية تبلغ ميزانيتها السنوية 90 مليون دولار، وفّرت المساعدات لأكثر من 100 بلد، بما في ذلك اليابان التي ضربها "تسونامي". من بين وسائل الإعلام التابعة لهم، هناك قنوات تلفزيونية، وصحيفة زمان، التي تقول إنها أكبر صحيفة تركية من حيث التوزيع، ولديها نسخة باللغة الإنجليزية تدعى Today’s Zaman.
ليست هناك شركة قابضة مركزية. المدراس تملكها وتديرها جهات خاصة، وتغرس الأرباح في مدارس وجامعات أخرى.
يقول مراد سرايلي، وهو رجل أعمال من أتباع جولين، إنه في رحلة إلى بوركينا فاسو في السنة الماضية وجد سبع مدارس لأتباع جولين وبئراً محفورة بمساعدة منظمة "ألا يوجد أحد هنا؟".
وفي مجهود مشترك في الفترة الأخيرة مع "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، منحت المنظمة بطاقات مصرفية صادرة من بنك آسيا للاجئين السوريين.
إحسان يلماز، وهو "متطوع" يدرس في جامعة الفاتح لأتباع جولين في إسطنبول، ويكتب في صحيفة Today’s Zaman، يقول إن الحركة مهتمة بتوظيف الأشخاص الأذكياء من ذوي الدخل العالي، الذين يستطيعون مساعدتها على تحقيق أهدافها بسرعة.
حكايته هي مثال لكثير من العاملين في حركة جولين: اختير من بين طلاب أذكياء في الـ 15 من العمر، وأُعطي دروساً في الرياضيات والفيزياء، ما سمح له بالدخول إلى جامعة أفضل. وحين تم قبوله، طلب منه "الإخوة الكبار" ضمن الحركة أن يبقى معهم. وقال: "كنتُ في الواقع أظن أني سأدخل الجنة".
اليوم غالباً ما يحضر يلماز اجتماعات أتباع جولين التي تجمع بين الجماعات المهنية في مختلف أنحاء تركيا وما وراءها. إنهم يعقدون جلسات للقراءة ويدخلون في نقاشات دينية، لكنهم يناقشون أيضاً التبرعات، التي يقول يلماز إنها يمكن أن تصل إلى 10 في المائة من الدخل.
ويقرّ بافتقار الحركة إلى الشفافية حول هوية أعضائها، خصوصاً ضمن مؤسسات الدولة التركية، الذي يقول إن سببه ناتح عن اضطهاد الجماعات الدينية والعرقية في الماضي.
هناك آخرون كثيرون في تركيا – خصوصاً في الحكومة – لديهم نظرة غير حميدة إلى حد كبير تجاه الحركة، واختراقها لأجهزة مثل الشرطة والقضاء والإدعاء العام. ويقول سعدات، وهو شرطي يعمل في جنوب شرق تركيا، إن أتباع جولين – الذين يطلق عليهم اسم "الجماعة" أصبحوا بصورة ثابتة أقوى ضمن الشرطة - على مدى نصف العقد الماضي، حيث سيطروا على وحدات الشرطة المختصة بالجريمة المنظمة، والتنصت، ومكافحة التهريب، مضيفاً: "لدي أصدقاء في الدراسة تلقّوا أسئلة الامتحانات قبل الامتحان، وبالتالي حصلوا على ترقية لأنهم ينتمون إلى الجماعة".
يجادل المسؤولون بأن أتباع جولين يسعون منذ أكثر من 30 سنة لدخول مؤسسات الدولة، ويقرون بأن بنيتهم التعليمية التحتية تعطيهم ميزات يجد مؤيدو أردوغان من الصعب مواكبتها.
نقل أردوغان سبعة آلاف شرطي في محاولة لتخليص جهاز الشرطة من أتباع جولين، لكن سعدات متشكك في نجاح مثل هذه الجهود، ويجادل بأن من الصعب التعرف على أتباع الحركة. ويقول: "لقد توقفوا عن التبرع للجمعيات الخيرية، لكنهم لا يزالون موجودين".
يجادل رئيس الوزراء بأن أتباع جولين أنشأوا "دولة موازية" ضمن البيروقراطية، حيث يتلقون أوامرهم من بنسلفانيا ويتبعون أجندة من عندهم. منذ فترة طويلة كان أتباع جولين البارزين يتصدرون محاكمات جماعية مشحونة سياسياً، يقول المنتقدون إنها أدانت مئات الأبرياء واعتمدت على أدلة مزيفة.
وهناك مجموعة من هؤلاء الأشخاص أنفسهم كان لهم دور في قضية الفساد ضد الحلقة الداخلية لأردوغان، التي اندلعت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
يرد أتباع جولين بأنه لا يوجد دليل على الاتهامات التي تكال ضدهم، لكن نديم سينر، وهو صحافي تركي، يقول إنه سُجن لمدة عام لأنه حقّق حول اختراق أتباع جولين لجهاز الشرطة: "لقد استهدفوني"، وأضاف أنهم استخدموا مكامن قوتهم ضمن البيرقرطية للتنصت على نطاق صناعي.
وأشار إلى أنهم "كانوا يسجلون لكل شخص – من الصحافيين والبيرقراطيين والسياسيين ورجال الأعمال – أموراً عن حيواتهم الخاصة. لديهم أشرطة لا تحصى، بالصوت والفيديو. إن ذلك أساس نظامهم".
في الشهر الماضي ظهر شريط لمحادثات هاتفية بين أردوغان وابنه قيل إنها تدور حول إخفاء ملايين اليورو.
لسنوات كثيرة كانت هناك شراكة بين حكومة أردوغان وأتباع جولين، حيث إن الطرفين شرعا في معركة مشتركة ضد العسكر. وفي السنة الماضية قال أردوغان: "أعطيتهم كل شيء أرادوه".
الآن، يتهم كل طرف الطرف الآخر بالسعي للحصول على سلطة فوق الحد، بعد استفتاء في 2010 عزز استقلال الجهاز القضائي، ولكنه، حسب منتقدي الحركة، عزز من سلطة أتباع جولين على المحاكم التركية. ومع ازدياد التوتر بين الطرفين، بدأت الحكومة بمنع مدارس أتباع جولين في كل بلدة تركية، وهي مدارس يقول المسؤولون إنها تزود المجتمع بما بين مليار إلى 1.5 مليار دولار سنوياً، ومنتسبين جدد، ثم وقع الفراق.
تتوقف أمور كثيرة الآن على ما إذا ستظهر المزيد من الأشرطة المؤذية. سيكون من المستحيل على أتباع جولين هزيمة إردوغان، لكن بعد عقد من التقدم الذي حققته الحركة خلسة، سيكون من الصعب تماماً استئصالها من الدولة التركية.