اقتصادنا رهينة تفوقنا التقني

شركة بلاكبيري تملك أكثر من 40 ألف براءة اختراع تقنية وأمنية، إلا أنها مهددة بالإفلاس نتيجة حدة التنافس مع مثيلاتها. هذا واقع حال العالم الاقتصادي الشرس. فـ "بلاكبيري" عليها أن تنافس "جوجل" التي أنتجت جوال أندرويد (المدعوم بأكثر من 200 ألف براءة اختراع). كما أن عليها أن تنافس جوال أبل، التي تضيف نحو ألفي براءة اختراع كل عام، و"سامسونج" التي تضيف ما معدله ثلاثة آلاف براءة اختراع كل عام. وإذا كان هذا واقع حال صناعة الهواتف النقالة، فلنا أن نتخيل السباق التقني بين شركات الطيران والسيارات وشركات الأدوية والأسلحة وغيرها. وحين يمعن المرء في الخريطة التقنية في العالم يشعر بأسى حقيقي تجاه واقع بلادنا التقني الذي انعكس بطبيعة الحال على واقعنا الاقتصادي الذي نتحدث دائماً عن رغبتنا وطموحنا في النهوض به من الاعتماد الكلي على النفط وغيرها من الموارد الطبيعية إلى اقتصاد منتج صناعياً وخدمياً على حد سواء.
لا يمكن بناء اقتصاد مستقل وقوي قادر على اجتثاث بلادنا من دوامة الاعتماد على النفط وغيرها من الموارد الطبيعية من دون القدرة على إنتاج تقنية تمكننا من تحدي التقنيات السائدة في العالم. وحين أقول (تحدي) أقصد إنتاج تقنية تثبت جدارتها في تقليص كل من تكلفة الإنتاج، وتسهل استخدام الأدوات المستخدمة اليوم، وغير ذلك مما يعطي التطوير والإبداع قيمة تجارية تستقطب رؤوس الأموال. لا يعقل أن يكون عدد براءات الاختراع في أكبر شركة سعودية بالمئات فقط (عدد براءات اختراع أرامكو إلى عام 2010، 100 براءة اختراع فقط). مع أن المنطق يشير إلى أن "أرامكو" ينبغي أن تكون رقم واحد في العالم في تقنية إنتاج النفط وتكريره واستخراجه، بل حتى نقله. كما لا يعقل أن نكون أكبر مستورد لتقنية تحلية المياه، دون أن يكون هناك جهد في توطين التقنية وكأننا لسنا من أفقر دول العالم في المياه (وتكاليفها الأعلى مقارنة ببقية الصناعات). أين التطوير والبحث من وزارة المياه؟ أين ما تم إبداعه في مجال تخفيض تكاليف التحلية وتوفير المياه؟ وبالمثل: لماذا لسنا الرواد في العالم في تقنية التبريد؟ عن أي تنمية نتكلم ونحن لا نكاد ننجز شيئاً يذكر ذا قيمة تقنية يمكننا من تخطي تحدياتنا الأساسية، سواء في مجال المياه أو التبريد أو غيره؟ أما الحديث عن توطين الصناعات المختلفة من سيارات وغير ذلك، فلن تؤدي إلى النتيجة المأمولة طالما كانت التقنية وحقوق الملكية ليست مملوكة لنا. أنا لا أقول هنا إنه لا فائدة منها، كل ما أقول إنها لن تحقق لنا الريادة. فشركات السيارات التي تسعى لإقامة مصانع في بلادنا تقوم بذلك بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج مقارنة بأماكن أخرى. ومتى ما ارتفعت تكاليف الإنتاج مع الوقت (مع تدفق الاستثمارات) سنجد هذه المصانع ترحل كما أتت. فقط حقوق الملكية التقنية (المبدعة) هي ما ستمكننا من توطين الصناعات ومن ثم تصديرها للعالم كله.
لا يمكن بناء اقتصاد قوي ومستقل ومنتج دون قاعدة عميقة ومتينة من القدرة التقنية المحمية بحقوق الملكية الفكرية. وأي تخطيط أو بناء لا يأخذ ذلك في الاعتبار سيجد الفشل في نهاية المطاف. لا بد من تركيز الجهود لبناء بيئة خلاقة للإبداع التقني كل وفق تخصصه. فالوزارات والجامعات والمؤسسات الحكومية ومؤسسات وشركات القطاع الخاص، كلها مسؤولة عن إنجاح بناء بيئة تنتج وتبدع في مجال التقنية. بالتقنية وحدها يمكن لنا مواجهة تحدياتنا ومن ثم مشاركة العالم نجاحنا في هذا المجال. بالتقنية يمكن لنا أن نزاحم العالم بالمنتجات الصناعية والخدمات التي تسهل على الإنسان أينما كان. إن التقنية المحفوظة بحقوق الملكية الفكرية سبيلنا الوحيد في بناء اقتصاد مستقل ومبدع وبناء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي