صاحب الوزارتين

كان الحدث الأبرز في الساحة المحلية الأسابيع الماضية هو إعفاء وزير الصحة؛ وتكليف وزير العمل بوزارة الصحة ليصبح صاحب الوزارتين، حتى إن هذا الحدث طغى على ما يعتقد أنه السبب في إعفاء وزير الصحة؛ وهو "الكورونا"!
التغيير كسياسة إدارية هو الحدث الذي لا يتغير، والعبارة المأثورة "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك" حقيقة ثابتة لأي منصب مهما علا ولأي وظيفة مهما دنت، والتغيير سمة إيجابية في المجتمع المدني، والتدوير مدرسة إدارية لها نجاحات لا تنكر، وبالتغيير يؤدب المُسيء، ويُذّكر الغافل، ويتحمسّ الفاتر، ويتعظ ذو القلب الحي.
الوزير المكلف مهندس في التخصص، وأحد أكثر التنفيذيين نجاحاً في القطاع الخاص، ورجل أعمال، من بيت تجاري عريق، وأمين سابق لعروس البحر الأحمر، ثم وزير لوزارة العمل.
عادل فقيه وزير دار حوله جدل كبير، ولا تعرف من الراضي عنه ومن الساخط، جاء في الوقت الأكثر صعوبة وتعقيداً حيث إيرادات الدولة بالمليارات والعاطلون عن العمل بالآلاف، كان همه في وزارة العمل أن ينجح في مهمته، لكن بطريقته المعروفة عنه، فنجح - وعلى خلاف كثير من الوزراء - في إقناع المواطنين والمسؤولين بأنه يعمل من خلال دراسات وبرامج وخطط عمل مرسومة بدقة، وكان المدخل الأبرز في نجاحه وتخفيض رقم البطالة ونسبتها هو في توظيف النساء (اللاتي لم يكن يحسبن أصلاً كرقم مهم في منظومة البطالة المحلية بحكم أن الرجل هو الذي يفتح البيت)، وكان الاستعجال في توظيف النساء لتحقيق النجاح في مهمة تخفيض البطالة، أكثر أولوية من تجويد هذا العمل وتأطيره، لكن كان الشق أكبر من الرقعة، فتوالت برامج الوزير النشط، التي كانت منطقية في كثير من الأحيان، لكن عابها الكثير من الخلل في التطبيق. نجح الوزير في مهمة صعبة وهي تخفيض أرقام البطالة، وهي وظيفته الأساسية، لكن – مع الأسف - تحولت المشكلة إلى وزارات أخرى ومربعات ودوائر أكثر حساسية أهمها زيادة تكلفة المعيشة، فأكثر البرامج إن لم يكن كلها ساهمت في زيادة التكاليف على المستفيد والمستهلك النهائي، وبعد ذلك كله ما زال كثير من الخريجين لا يجدون عملاً؟ فالوزارة ركزت على تحويل فرص العمالة الأجنبية إلى العمالة الوطنية! بدلاً من إيجاد فرص عمل جديدة، بل على العكس الوزارة حدت من فتح فرص عمل جديدة للشباب الراغبين في اقتحام مجال الأعمال وأصرت على تحويلهم إلى موظفين وعمالة يركضون وراء الراتب والمعاش! وبعد ذلك كله ما زال الوزير بين تذبذب القبول والرضا والغضب للمجتمع، وكذلك قطاع الأعمال!
لا شك في رجاحة الأمر الملكي بتعيين المهندس عادل فقيه وزيراً مكلفاً للصحة، لتغيير بعض واقع الوزارة، لكن وزارة الصحة وحدها تحتاج إلى طاقة أكثر من وزير لإدارتها فكيف ووزارة العمل تحتاج إلى مهندسها لإكمال مشروعه الذي بدأه لتقليص نسب البطالة .
وزارتا العمل والصحة وشقيقتهما التعليم في نظري محرقة للرجال، لأن تعاملها مع الجمهور بشكل دائم ومباشر، والرضا عن خدماتها صعب، والرقابة على الخدمات المقدمة والعاملين والأنظمة فيها أصعب، وكل الوزارات الثلاث تعمل بنظرة آنية من دون رؤية واستراتيجية مركزة، وتتغير خططها وتوجهاتها عند تغيير ربانها، فتعود للدوامة من جديد.
كمواطن حريص على صحة المواطنين والمقيمين أتمنى استمرار المهندس عادل فقيه كوزير للصحة، لاعتقادي بقدرته على النجاح في هذا المنصب، وقدرته على إنجاز ما قد يعجز عنه الكثير من الأطباء، خاصة من النواحي الإدارية والتنظيمية وبرامج العمل، واستقطاب الكفاءات، والاستفادة من التجارب السابقة محلياً وإقليمياً ودولياً، وقدرته على التنفيذ بكفاءة عالية.
من جهة أخرى، وزير جديد لوزارة العمل معناها العودة إلى المربع الأول، وبدء مشروع جديد بهموم جديدة ومفاهيم جديدة وتجارب جديدة، وسيناريو مكرر لتعلم الحلاقة في الرؤوس ، لكن استمراره في وزارتين سيؤدي إلى الاهتمام بوزارة على حساب أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي