رمضان بين التجار وشراهة الاستهلاك
في كل عام يهل فيه شهر رمضان المبارك على المملكة العربية السعودية، تشهد السلع والخدمات في الأسواق التجارية بشكل عام وأسواق المواد الغذائية والتموينية بشكل خاص، ارتفاعا في مستوى الأسعار، بنسب تراوح بين 30-10 في المائة لبعض السلع ولربما بأكثر من ذلك بسلع أخرى، وذلك لعدة اعتبارات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، زيادة وتيرة استهلاك الأفراد للسلع الغذائية والتموينية بشكل يفوق معدل الاستهلاك الطبيعي مقارنة ببقية شهور العام، إذ تشير المعلومات إلى أن قيمة فاتورة الاستهلاك في شهر رمضان تصل إلى 40 مليار ريال، في حين تشير معلومات أخرى إلى أنها قد تصل إلى ضعف هذا المبلغ.
هذا الاستهلاك المرتفع للمواد الغذائية وبالذات التي يقبل على شرائها المستهلكون بشكل متزايد خلاف بقية الشهور، يدفع بأسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع تماشياً مع النظرية الاقتصادية المرتبطة بقوى الطلب والعرض، حيث كلما زاد الطلب على سلعة ما في الغالب يزداد تبعاً لذلك سعرها ويرتفع، وإن كان الأمر ليس بالضرورة كذلك في جميع الحالات، باعتبار أن أسعار السلع والخدمات في الأسواق قد ترتفع لأسباب اقتصادية أخرى لها علاقة وارتباط مباشر بأسعار مدخلات الإنتاج والتغير في أسعار الخدمات المساندة، كأسعار الشحن والتأمين، إضافة إلى اعتبارات أخرى، كالاعتبارات الجيوسياسية.
وعادة في موسم رمضان وبسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتموينية ذات العلاقة في أسواق المملكة، ما يوجه أصابع الاتهام إلى التجار بأنهم يستغلون حلول الشهر الفضيل بلجوئهم إلى رفع الأسعار بهدف تحقيق أعلى الأرباح الممكنة وبالذات في بعض السلع الموسمية التي عادة يقبل المستهلكون على شرائها بشكل أكبر مقارنة بسلع أخرى في شهر رمضان.
وهناك من يحمل مسؤولية ارتفاع الأسعار إلى غياب الرقابة على الأسواق وعدم قيام الجهات ذات العلاقة بمتابعة الأسعار، واتخاذ التدابير والحلول الكافية للحيلولة دون ارتفاعها، في حين أن البعض الآخر يتوجه باللوم إلى أجهزة الإعلام المختلفة في عدم قدرتها على توعية المستهلك بالشكل الكافي الذي يرفع من مستوى الوعي الاستهلاكي لديه ويجنبه الإسراف والتبذير المرتبط بالشراء غير المبرر للسلع والخدمات في معظم الأحيان.
والرأي الأرجح في ذلك هو أن المستهلك سيد الملعب، باعتبار أن سلوكياته وتصرفاته الفردية المرتبطة بالشراء والاستهلاك، هي التي تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية باعتبار أن سوء الإنفاق وعدم التخطيط المسبق للشراء والاستهلاك، سينعكس آجلاً أم عاجلاً على المستوى العام للأسعار، لاسيما كما أشرت إلى أن الحديث يدور حول سلع موسمية لا تستهلك في الغالب سوى في شهر رمضان المبارك، حيث إن شراء ما يلزم وما لا يلزم والذي في الغالب ما ينتهي به الأمر إلى صناديق النفايات سيؤثر تأثيراً مباشراً في مستوى الأسعار وبشكل سلبي ويؤدي إلى ارتفاعها.
كما أن غياب الوعي لدى معظم المستهلكين المرتبط بكيفية تحقيق التجار للإيرادات والأرباح يضاعف Business Model من تذمرهم وبالتالي انتقاداتهم لهم واتهامهم بأنهم جشعون ومستغلون. ولعلي أضرب مثلاً واقعياً في هذا السياق بتجار المواد الغذائية، وبالذات تجار التجزئة، الذين في الغالب لا يحققون الأرباح من بيع المواد الغذائية، إذ لا تتجاوز هوامش أرباحهم الصافية عن بيع المواد الغذائية أكثر من 3,5 في المائة، باعتبار أن معظم أرباحهم تتأتي من قدرتهم على تدوير النقدية والبضاعة أكثر من مرة في العام، إضافة إلى ما يحققونه من أرباح من تأجيرهم للأماكن المخصصة للعرض في محالهم أو ما يعرف بالأرفف. كما أن تاجر التجزئة لا يستفيد من بيع المواد الغذائية سواء في حال ارتفاع أسعارها أم انخفاضها ولكنه يستفيد كما أشرت من قيمة وعوائد تأجير المساحات والأرفف.
إن التخطيط المالي للأسرة واتباع أصول وفنيات الشراء، سينعكس آجلاً أم عاجلاً على سلوكيات الأسعار في الأسواق، حيث أثبتت الدراسات أن التوجه إلى الأسواق للشراء في آخر لحظة سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، كما أن الشراء في أوقات الذروة، وعدم التخطيط المسبق للشراء، والشراء بكميات كبيرة، سيؤدي ذلك أيضاً إلى ارتفاع الأسعار.
ومن المنطلق وبهدف تفادي ارتفاع الأسعار سواء في شهر رمضان أو غيره من الشهور، لابد للأسرة من أن تضع أهدافا محددة للشراء في ظل الإمكانات المالية المتاحة، وعدم اللجوء للشراء بكميات كبيرة بحجة التوفير والحصول على خصومات، باعتبار أن ذلك سيضاعف من حجم الاستهلاك غير المبرر، والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انتهاء صلاحية المواد والسلع قبل استخدامها ليؤول مصيرها إلى صناديق النفايات. المتخصصون في شؤون الشراء والاستهلاك ينصحون المستهلكين بالشراء في أوقات معينة ومحددة وليس في جميع الأوقات، حيث إن للعامل النفسي جزءا كبيرا في التحكم بعملية الشراء والاستهلاك.
إن توجه الفرد نحو التخطيط المالي السليم والادخار، إلى جانب أنه سيساعد وبشكل كبير على تجنب الإسراف والتبذير غير المبرر، سيقلل أيضاً من المخاطر المرتبطة بارتفاع الأسعار في الأسواق وبالذات في أوقات الذروة والمواسم.
إن التخطيط المالي المسبق لجميع أمورنا الحياتية والمعيشية ليس بالأمر الصعب ويمكن تحقيقه، وبالذات حين النظر إلي الفوائد العديدة التي سيجنيها الفرد من ذلك بوصوله إلى تحقيق أهدافه بأقل الأسعار الممكنة والمتاحة.