«ابن سعدي» جامعة العلم والمعرفة في القرن الماضي
عاش الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في عنيزة وولد فيها عام 1307هـ، نشأ يتيم الأب والأم، حيث فقد أمه وهو ما زال في الرابعة وفقد والده وهو في السابعة من عمره، ولفت الأنظار تجاهه نظرا لرغبته ونهمه في طلب العلم منذ صغره.
حفظ القرآن وهو لم يتجاوز الـ 11 من عمره، وانشغل بالتعلم على أيدي علماء بلدته، واجتهد في التعلم ونال حظا وافرا منه، حتى جلس يعلم الناس وهو ابن 23 عاما، حيث كان يعلم وينهل من العلم في الوقت نفسه.
قرأ ابن سعدي على أكثر من 50 عالما في زمنه حتى أتقن مجمل العلوم الدينية في ذلك الوقت، وفي عام 1350هـ أصبح مرجعا للعلم ومطلبا لجميع الطلبة للتعلم في حلقات التدريس التي يقيمها في عنيزة.
تميز السعدي بمعرفته التامة في الفقه وأصوله وفروعه وكان أول أمره في الفقه، متمسكا بالمذهب الحنبلي تبعا لمشايخه، ونظم 400 بيت لشرح الفقه، شرحا مختصرا، ثم انكب على ما جاء في كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم، واستفاد كثيرا في علم الأصول والتوحيد والتفسير والفقه، مما كتبه ابن تيمية وابن القيم والعديد من العلوم الأخرى.
وبسبب تنوع قراءاته في الكتب والتعلم على أيدي علماء مختلفين لم يتقيد ابن سعدي بالمذهب الحنبلي، فقط، بل أصبح يرجح ما ترجح عنده بالدليل الشرعي، وهذه إحدى الميزات التي تميز بها الشيخ ابن سعدي.
ألف ابن سعدي في التفسير بعد قراءته عدة تفاسير متنوعة وفهمه لهذا العلم، وتوسع في شرح القرآن وتفسيره بإيراد القصص وجزالة اللفظ، وهي ميزة إضافية للشيخ.
بالإضافة إلى ذلك كان كثير الكتابة والتأليف فقد كتب تفسيراً للقرآن الكريم كله سماه (منحة اللطيف المنان في تفسير القرآن) وله كتاب في الخطب المنبرية ورسائل في العقيدة وسؤال وجواب وفي بعض الموضوعات والقضايا الإسلامية، وقد تبرع بكتبه كلها وطبعها أهل الخير المحبون للشيخ وعلمه ووزعوها بالمجان على أهل العلم وطلبته.
كان الشيخ ابن سعدي، مرجع بلدته وعمدتهم في جميع أحوالهم وشؤونهم فهو مدرس الطلاب، وواعظ العامة، وإمام الجامع، وخطيبه، ومفتي البلاد، وكاتب الوثائق، ومحرر الأوقاف، والوصايا، وعاقد الأنكحة، ومستشارهم في كل شؤونهم، حتى أطلق عليه لقب "الجامعة" في وقته، ومما حبب الناس فيه أن جميع تلك الأعمال، كان لا يتقاضى عنها، ريالا واحدا أو أجرا؛ وهو ما زاده تقديرا في أعين الناس.
قال عنه الدكتور عبد الرحمن العدوي أحد العلماء الأزهريين الذين درسوا في المعهد العلمي في عنيزة: "كان الشيخ عبد الرحمن بن سعدي من الناحية الدينية هو كل شيء في عنيزة فقد كان العالم والمعلم والإمام والخطيب والمفتي والواعظ والقاضي وصاحب مدرسة دينية له فيها تلاميذ منتظمون".
ومن أعماله قام ابن سعدي بتأسيس المكتبة الوطنية في عنيزة وذلك عام 1359 على نفقة الوزير عبد الله الحمدان.
ومن المعروف عن ابن سعدي امتناعه عن القضاء رغم أهليته لذلك، ورعاً منه ورغبة في التفرغ للتعليم وبقية الأعمال التي كان يقوم عليها في زمانه.
عينه القاضي عبد الرحمن بن عودان إماما وخطيبا للجامع الكبير في عنيزة في رمضان عام 1361 واستمر حتى خلفه تلميذه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.
وتوفي الشيخ عبد الرحمن السعدي في شهر ربيع الآخر من عام 1376هـ عليه رحمة الله.